للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ «١». فهناك فرق في الاستعمال.

وقد اهتمت عائشة عبد الرحمن بهذا الشأن، واتسم أسلوبها بالاستقراء الشامل للمفردات التي تتعرض لها، فهي بعد أن تذكر ما ورد في الشعر القديم مما يؤكد الترادف، وعدم التفريق بين هاتين الدّلالتين في الاستعمال تقول:

«العرب تقول: حلفة فاجر وأحلوفة فاجر، ولم يسمع حلفة برّ، وأحلوفة صادقة إلا أن تأتي في بيت شعر» «٢».

فالشعراء لم يكونوا يفرقون بينهما، ولا بأس أن نتخذ من تمحيصها ردّا على صبحي الصالح، إذ ترى أن فعل حلف يسند إلى المنافقين في القرآن، وأسند مرة واحدة إلى المؤمنين في قوله تعالى: ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ «٣» فوجبت عليهم الكفّارة لخطئهم.

وتبرّر ذكر القسم أيضا على لسان الكفار قائلة: «يسند القسم إلى الضالين حين يكون قسمهم عن اقتناع منهم بالصدق قبل أن ينكشف لهم أنهم على ضلال» «٤».

ويصبح القسم حسب تعبيرها هنا بمنزلة الحلف كما في قوله عز وجل:

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها، قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ «٥»، وهذه الآية هي شاهد صبحي الصالح، الذي لم ينتبه إلى خصوصية الاستعمال القرآني الذي لا تبديل لكلماته.

ونرى أن ذكر القسم هنا يدلّ على إصرارهم على المعجزات المادية، وعلوّ عنجهيّتهم وسخريتهم، والشّدّة في طلبهم، ويرافق هذا الإصرار كذبهم، فهم


(١) سورة المعارج، الآية: ٤٠.
(٢) عبد الرحمن، د. عائشة، ١٩٧١، الإعجاز البياني للقرآن، ط/ ١ دار المعارف بمصر، ص/ ٢٠٦.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٨٩.
(٤) عبد الرحمن، د. عائشة، الإعجاز البياني للقرآن، ص/ ٢٠٦.
(٥) سورة الأنعام، الآية: ١٠٩.

<<  <   >  >>