للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشكلية، أي في صورته الأولى، أما ما فيه من أخلاقية، فقد كانوا بعيدين كل البعد عنها» «١».

والحق أن كل شاعر يصبح دعيّا في الأدب إذا توهّم أنه قادر على معارضة القرآن، والتفوق على أسلوبه، لأنه حينئذ يبرهن على جهله بجزئيات فن الشعر الموسيقية، وليست الموسيقا القرآنية منفصلة عن المضمون الأخلاقي، ولا يحق أن ندّعي أن بعض الأدباء فضّلوا أدبياتهم على القرآن، فنالوا شرف رتبته في الصورة الأولى كما يسميها الباحث، ونظل نكتفي بغائيته ومضمونه الأخلاقي والغيبي وغير هذا، ليكون هذا وحده عزاءنا- نحن المسلمين- بل نرفض كل مقولة تتماشى مع هذه المقولة الباطلة منطلقين في حكمنا من دراسة فن الكلمة العربية على الأقل، ولم يتوصل الشعراء- إن صحّ الادعاء- إلى شيء، إن هي إلا شائعات روّجها رواة مغرضون بعيدون عن الروح العلمية، والدوافع الموضوعية.

ولقد تحدّى القرآن العرب الفصحاء الذين عهد عنهم التحدي بالشعر، فكانت لهم مساجلات شعرية، وإذا كان هؤلاء قد استيأسوا من حق معارضته، فإنّ عجز من كان بعدهم أبين، أما وضع كلمات على وزن كلمات القرآن، فهذا ما يدعو إلى السخرية بعد أن تفضح اللغة كاتبها، ويجب التنويه هنا بأن الأديب البليغ يزداد شعوره بعجزه عن معارضة القرآن، والوصول إلى مرتبته حينما تسمو بلاغته، لأن الأمر لا يقتصر على تقليد الرّويّ والوزن كما تكون معارضة الشاعر لشاعر آخر، بل سيصدم الأديب حين يحاول المعارضة بأنه أمام نسق فني لا يقع على مثله في إبداع البشر، والسر في ذلك أن القرآن عني عناية فائقة بدقائق فنية تظهر لكل متدبّر واع متذوق، فيفهم منها أن قائل هذه الكلمات لا يمكن أن يكون من البشر.

أما ما تناقله بعضهم من أخبار حول معارضة أبي العتاهية لسورة واحدة في إحدى لياليه، ورجوعه عن هذا، فخبر لا صحّة له، وكذلك ما يروى عن المعري الذي ذكر ما ينمّ على شكّه في اللزوميات، وهذا لا يعني استمراره في الشك أو معارضة القرآن، وما كتابه «الفصول والغايات» الذي اتهم بأنه عارض


(١) إسماعيل د. عز الدين، الأسس الجمالية، ص/ ١٨٦.

<<  <   >  >>