للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما يكثر الغريب في كلام الأوحاش من الناس، والأجلاف من جفاة العرب» «١».

والمقصود بالغرابة نفور السمع وصعوبة النطق لكلمات أهملها الذوق العربي، وقد ترد على لسان الأدباء، وتتعين أحيانا في تقارب المخارج، أو تكررها مثل «مستشزرات» وغيرها مما يحصيه علماء اللغة.

والخشونة تنبع من طبع المتكلم، فقد رأى النقاد أثر خلقة الفرزدق وخلقه في مفرداته «٢»، ولم يكن هدف القرآن الإغراب لمنافسة إحصائية تجمع الصّالح والطّالح من

الكلمات، كما عهد هذا في فن المقامات التي أغرقت في كثير من الكلمات القاسية التي أهملها القرآن.

وهذه المصطلحات الموسيقية في الفن القولي هي أوضح لدى ابن الأثير ومن تبعه، وكان يحبّذ جهدهم الكبير في هذا المجال الذي يقوم على تفسير الذوق وتقديم معايير مستخلصة من النص، ومن المتعارف عليه في فن الأدب، بدلا من الارتياح الذاتي للمفردات الليّنة، وكما قلنا سابقا كان بإمكانهم الاستفادة من علم التجويد وفقه اللغة لسبر موسيقية الكلمات.

لم تكن القيمة السمعية إذا خافية عليهم، فقد اصطلحوا على عبارات تشمل كلّ جمال سمعي في المفردة، وربطوه بمقولة الكلام الفصيح، ولا شك أن الفصاحة ارتبطت بشكل الكلمة، وأنها جزء من البلاغة التي تشمل الشكل والمضمون.

وكانوا يطلقون لدى إعجابهم كلمات بمنزلة تفريعات للفصاحة، فقالوا:

عذب، رونق، رقيق، سلس، مليح، فخم، إلى آخر هذه الكلمات التي تنفي الوحشية والوعورة، وفي هذا تقول روز غريبه: «وقد جعلوا السلاسة والانسجام المحلّ الأول في كتب النقد، فسموا ذلك حلاوة النّغمة، وسمّوه فصاحة المفرد، أي أن يكون اللفظ سمحا سهل مخارج الحروف، وفصاحة


(١) الخطابي، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٤٩.
(٢) انظر ضيف، د. شوقي، ١٩٧٧، التطور والتجديد في الشعر الأموي، ط/ ٦، دار المعارف، القاهرة، ص ٢١٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>