المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. أورد الباحث فيه سبع روايات منها: واحدة صحيحة، وأخرى حسنة، والباقية ضعيفة. ثم ذكر الروايات التي تشير إلى أن عمر وعلي رضي الله عنهما هما اللذان جمعا القرآن، وهي خمس روايات منها: اثنتان حكم على إسنادهما بالحسن وعلى متنهما بالنكارة، والبقية لا تصح أسانيدها. ثم أورد رواية منقطعة ضعيفة على أن الذي جمع القرآن هو سالم مولى حذيفة رضي الله عنه. ولو حكمنا بفرض صحة المرويات هذه، فهي محمولة على أن الذي أشار بالجمع هو عمر، لا أنه هو الذي نفذه. وما جاء عن علي فيحمل على أن المراد بجمعه:حفظه أو أنه ممن ساعد زيدا فيه، وأما سالم فقد ثبت أنه ممن قتل في حروب الردة، والجمع حصل بعده. وفي الجملة: فيحتمل أنهم جمعوا بعضه في صحف خاصة بهم، كما كان عليه أكثر الصحابة، لكنها لم تظفر بالتحري والتدقيق والإجماع الذي حصل في جمع أبي بكر رضي الله عنه.
الفصل الثالث: جمع القرآن في عهد عثمانوفيه مبحثان:
المبحث الأول: دوافع توحيد المصاحف ونسخها. وتحته خمسة مطالب:
**المطلب الأول: كثرة الأسباب والدوافع.
بين فيه الباحث أن من الأسباب التي حملت على جمع القرآن، اختلاف الناس في القراءة، حتى وصل الأمر أن كفر بعضهم بعضا، وقال:قراءتي خير من قراءتك. بالإضافة إلى جهل الجمهور الجديد، بنزول القرآن على سبعة أحرف، مما حمل حذيفة رضي الله عنه، على نقل ذلك الواقع المرير الذي شاهد جزءا منه، بين أهل العراق والشام، وهم على أطراف الجمهوريات الإسلامية يغازون في سبيل الله سنة ست وثلاثين، إلى أمير المؤمنين لتدارك هذه الظاهرة.
**المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به.
بين الكاتب فيه أن الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه اعتمد أساسا على جمع أبي بكر، بل رشح لتولي رئاسة المهمة، جامعه السابق زيد بن ثابت، ومعاونة أربعة نفر هم: ابن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث رضي الله عنهم، ورسم الخليفة الراشد لهم منهج الجمع الذي يسيرون عليه، وأمرهم إذا اختلفوا في كتابة شيء، أن يكتبوه بلغة قريش، لأن القرآن نزل بلغتهم، وأشرف عليهم بشكل مباشر فيما يقومون به، وكانوا إذا تدارأوا في شيء أخروه، ورجعوا فيه إليه. وأمدهم بأعضاء ـ غير متفرغين ـ لمساعدتهم، أوصلهم ابن سيرين إلى اثني عشر رجلا. ثم بين الباحثين عدم اشتراك ابن مسعود فيها، وذلك لكونه كان بعيدا في الكوفة، ولأنه لم يكن من كتبة الوحي عند النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ممن جمعه في عهد أبي بكر، إضافة إلى خبرة زيد بن ثابت في هذا المجال، فهو إمام في الرسم، وابن مسعود إمام في الأداء ويكفي دليلا على ذلك أنه أخذ ٧٠ سورة من في رسول الله عليه السلام.
ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ
وهي ما تكلف به الباحث، من الاستنباطات التي استنبطها من أسماء العشرة، اللذين رجح مشاركتهم في الجمع، وأنه روعي فيهم أن يكون النصف من قريش، وأربعة من الأنصار، وواحد من اليمن، ليكون التمثيل شاملا لقريش وللأنصار واليمن. وروعي فيه أن يكونوا من العرب الخلص، وواحد فقط من الموالي، ليتواجد فيه العرب، مع تمثيل للموالي. هذا الاستنباط لا أوافقه عليه أبدا، فالذي روعي في الاختيار هو الكفاءة وحدها، لا التمثيل الجغرافي أو العرقي. وإلا فبلاد الإسلام حين ذاك لا تكاد تغيب عنها الشمس، وفيها من العرقيات العدد الكبير، فلم لم يؤخذ من كل مصر؟ ومن كل عرق؟ فهذه الفروق قد تساموا عنها فلم يعبأوا لها أو يحفلوا بها. وليس من هذا أبدا تقديم الخليفة الراشد عثمان للغة قريش على غيرها حين الاختلاف، بل ذلك تقديم مبرر بينه رضي الله عنه وهو كون القرآن نزل بلغتهم لا لشيء آخر.