[أمه صلى الله عليه وسلم وولادته]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أمه صلى الله عليه وسلم وولادته.
أمه صلى الله عليه وسلم: وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
ولادته صلى الله عليه وسلم: وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفيل في شهر ربيع الأول لليلتين خلتا منه، يوم الإثنين، وقال بعضهم: بعد الفيل بثلاثين عاماً، وقال بعضهم: بأربعين عاماً، والصحيح: أنه ولد عام الفيل].
ذكر المصنف هنا أن أم النبي صلى الله عليه وسلم هي آمنة، ولم يقل: أبوه هو فلان؛ لأنه ورد ذكره في النسب الأول، وأفرد الأم لأنه لم يرد ذكرها في النسب الأول.
أمه هي: آمنة بنت وهب أم نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي من بني زهرة، وبنو زهرة بطنٌ من بطون قريش، فتجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده كلاب، وهذه آمنة تزوجها أبو النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله، فلما تزوجها حملت منه بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
ولحكمة أرادها الله مات الأبوان قبل أن ينشأ صلى الله عليه وسلم النشأة التي يمكن أن نقول: إنه بلغ سن التمييز، فأظهر أقوال العلماء: أن أباه مات وهو حملٌ عليه الصلاة والسلام، كان له أخوالٌ من بني النجار في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الله لتجارة فمات في المدينة، ودُفن في دار النابغة الجعدي، وهو أحد شعراء الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم وحسن إسلامه.
وقد ذكر المصنف الاختلاف في زمان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب أن تعلم أن المُتفق عليه: أنه ولد يوم الإثنين في شهر ربيعٍ الأول، ودائماً الإنسان في طلب العلم يأخذ ما اتفق عليه أولاً، وما اختلف عليه يبدأ به بعد ذلك، فلا بد في المسيرة العلمية من شيءٍ قوي تركن إليه، ثم تُخرج الأضعف فالأضعف، فالثابت أنه صلى الله عليه وسلم ولد في يوم الإثنين فإنه كان يصومه وسئل عن ذلك فقال: (هو يومٌ وُلدت فيه)، فقطعاً أنه ولد يوم الإثنين، ولا أعلم أن هناك خلافاً في أنه وُلد في يوم الإثنين.
الأمر الثاني المُتفق عليه: أنه وُلد في شهر ربيعٍ الأول، والخلاف هو في أي يومٍ من شهر ربيعٍ الأول ولد، والذي عليه عامّة الناس في عصرنا أنه يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وهو ما ذكره المصنف، والأظهر -والله أعلم- ما دلت عليه الدراسات المعاصرة، وهو أنه ولد يوم الإثنين التاسع من شهر ربيعٍ الأول، لأن الفلكيين كالعلامة محمود باشا والمنصور فوري وغيرهما ذكروا أنه لا يمكن فلكياً أن يكون يوم الإثنين في العام الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثاني عشر، وإنما هو يوم الإثنين التاسع من شهر ربيعٍ الأول الموافق في السنة الميلادية الثاني والعشرين من شهر إبريل لعام خمسائة وواحد وسبعين من ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام.
لكننا كطلبة علم لا يعنينا هذا، ودائماً الإنسان لا يتعلق كثيراً بما لا طائل من ورائه، إنما الذي يعنينا أنه وُلد يوم الإثنين لأنه صامه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا من الناحية التاريخية، ولو فرضنا أن القول الذي رجحناه أنه ولد في اليوم التاسع خطأ فهذا لا يُغير من الموضوع شيء، قد يكون ولد يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول كما قال الفلكيون وهو الذي نعتمده وهو الأظهر، وقد يكون قبله أو بعده، لكنه قطعاً يوم الإثنين من شهر ربيعٍ الأول.
وُلد في عام الفيل، وقد جرت العادة عند العرب قديماً وعند الأمم كلها أنهم يؤرخون بالحدث العظيم، فالنصارى كانوا يؤرخون بميلاد المسيح، فلما كانت العرب أمة لا احتكاك لها مع الأمم الأخرى أرخوا بحادثة الفيل، والفيل قصته شهيرة وهي أن أبرهة نائب النجاشي على اليمن قدم إلى مكة يريد هدم البيت في القصة المعروفة، حتى وصل إلى وادي محسر ما بين مزدلفة ومنى، وهناك أناخ الفيل وبرك ورفض التوجه إلى الكعبة كما هو معلومٌ، وحيثما وُجِّه توجه إلا إذا ذُهِبَ به إلى مكة، فأرسل جلّ وعلا عليهم طيراً أبابيل، ففي هذا العام لعظيم الحادثة التي وقعت فيه أرخ العرب آنذاك بعام الفيل؛ لأنه أصبح أمراً مُميزاً، ولعل هذا وقع لحدوث شيءٍ عظيم وهو مولده صلوات الله وسلامه عليه.
والمقصود أنه وُلد عليه الصلاة والسلام في عام الفيل، أما القول: أنه بعد الفيل بثلاثين عاماً أو أربعين عاماً فهذا خلاف الصحيح، وهي أقوالٌ -وإن كانت موجودة- مردودة، تردها أكثر الروايات التي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم وُلد في عام الفيل.