صفاته الخَلقية عليه الصلاة والسلام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل في صفته صلى الله عليه وسلم.
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً يقول: أمين مصطفى بالخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينشد قول زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان حيث يقول: لو كنت من شيء سوى بشر كنت المضيء ليلة البدر ثم يقول عمر وجلساؤه: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن كذلك غيره].
ما ذكره المصنف هنا فيه نظر؛ لأن أبا بكر لا يعرف عنه الشعر، لكن المعنى صحيح، وقد لا يصح نسبة هذا إلى أبي بكر لكن المعنى صحيح.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربًا بحمرة)].
الأبيض إما أن يكون أبيض أمهق فيكون بياضه غير ممدوح، ولكن بياضه صلى الله عليه وسلم كان كما قال علي: (مشرب بحمرة) أي: مخلوطاً بحمرة.
قال: (أدعج العينين) بمعنى: شديد سواد العينين.
(سبط الشعر) أي: أن شعره ليس مسترسلاً، واليوم العامية يقولون: ناعم، أي: أن شعره صلى الله عليه وسلم ليس مسترسلاً تماماً ولا ملتوياً.
(كث اللحية اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة) بالسين وليست بالشين، والمقصود الشعر الممتد من أعلى الصدر إلى أدنى السرة.
(ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره) وهذا واضح.
(شثن الكفين والقدمين) أي: غليظ أصابع الكفين وغليظ أصابع القدمين.
(إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعاً) هذه واضحة، والصبب المكان العالي.
(كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر، ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بالفاجر ولا اللئيم) هذه واضحة جداً.
(لم أر قبله ولا بعده مثله) القائل هو علي بن أبي طالب.
وفي لفظ لـ علي قال: (بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين، وأجود الناس كفاً).
خاتم النبوة شعيرات كانت بين الكتفين من الخلف، وهي إلى جهة الشمال أقرب.
وأجود الناس كفاً كناية عن الكرم.
(وأوسع الناس صدراً) هذه ظاهرة، (وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عِشرة) عِشرة بالكسر وليس بالضم.
(من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم).
وقال البراء بن عازب وهو صحابي معروف: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً) أي: لا بالطويل ولا بالقصير.
(بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئًا قط أحسن منه).
مربوعاً أي: ما بين الطول والقصر.
(بعيد ما بين المنكبين) المقصود أن صدره وظهره ممتد.
(له شعر يبلغ شحمة الأذن).
(رأيته في حلة حمراء) الحلة: الثوب المكون من قطعتين الإزار والرداء.
(لم أر شيئاً قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم) لم أداة جزم ونفي، وجاء بقط لأنه نفى شيئاً ماضياً، ولو أراد أن ينفي شيئاً في المستقبل يأتي بأبداً.
[وقالت أم معبد الخزاعية في صفته صلى الله عليه وسلم].
أم معبد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، في طريقه من مكة إلى المدينة مر على أم معبد، وأم معبد امرأة من خزاعة، كان لها خيمتان تكرم وتقرئ الأضياف، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ونزل ضيفاً عندها، وقصة شاتها معروفة.
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به وأفلح من أمسى رفيق محمد وأم معبد كانت خزاعية فصيحة، فلما جاء زوجها سألها فأجابته بقولها: (رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة).
الثجلة: الضخامة في البدن.
والصعلة: صغر الرأس.
فهو عليه الصلاة والسلام ضخم إلى حد لا يعاب، ولم يكن صغير الرأس إلى حد يعاب.
(قسيمًا، في عينيه دعج -أي: سواد- وفي أشفاره غطف -الأشفار: شعر الجفن-).
(وفي صوته صحل) أي: في صوته بحة.
(وفي عنقه سطع) أي: نور، يقصد أن عنقه منير.
(وفي لحيته كثاثة) هذه واضحة أي: كثرة.
(أزج أقرن) معنى أزج: أن خيط الجفن دقيق قليلاً، أما قولها: (أقرن) فهذا لا يقبل، فإما أن يكون خطأ منها، وإما أن يكون خطأً من الرواة الذين نقلوا؛ لأن معنى أقرن: أن يكون الحاجبان ملتصقين بعضهما ببعض، وهذا عيب مذموم عند العرب قديماً، ولا يعاب الرجل إذا وجد فيه هذا؛ لأن هذا خلق الله، لكن الله جل وعلا لا يجعل نبيه بهذا الأمر.
وقد ورد في وصفه عليه الصلاة والسلام بأنه كان أزج في غير قرن، هذا محفوظ وما أدري إن كان المصنف ذكره أو لا.
(إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء) هذه ظاهرة.
(أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصلٌ، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم تحدرت، لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصناً بين غصنين) تعني بالغصنين أبا بكر وعامر بن فهيرة.
(وهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محفود محشود) المحفود من يعظمه أصحابه من حوله، ويسارعون في طاعته.
ومحشود أي: يجتمع إليه الناس.
(لا عابس ولا مفند) التفنيد: الصد الرد التهجين، ومعنى: (لا عابس ولا مفند) أي: جميل المعاشرة لا يهجن أحداً ولا يحتقره عليه الصلاة والسلام.
أي: جميل المعاشرة لا يهجن أحداً ولا يحتقره.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنه وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان ربعة من القوم) ربعة خبر كان منصوب.
(كان ربعة من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم) الآدم: من يميل إلى السمرة، أي: أن بياضه صلى الله عليه وسلم كان مشرباً بحمرة، والأبيض الأمهق: الكريه البياض.
فائدة: مَن مِن الأنبياء كان يميل إلى السمرة؟ موسى، لذلك جعل الله من معجزاته أن يده تكن بيضاء من غير سوء.
(وليس بجعد، ولا قطط، ولا سبط، رجل الشعر) أي: ليس مسترسلاً.
وقال هند بن أبي هالة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماًَ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب) المشذب يعني: الطويل.
(عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون) أي: بياضه معقول.
(واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين) العرنين الذي ارتفع أعلى أنفه واحدودب وسطه وضاق منخراه.
(كث اللحية، أدعج العينين، سهل الخدين، ضليع الفم) أي: واسع الفم، وكان هذا عنواناً عند العرب على الفصاحة والبلاغة.
(أشنب، مفلج الأسنان) أشنب يعني: جميل الفم، مفلج الأسنان أي: الثنايا كان بينهما فلجة، ولم تكن متلاصقة.
(دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر) كل إنسان له بطن، لكن ليس كل إنسان يوصف بأن له كرشاً، فإذا برزت البطن تسمى كرشاً، أما إذ لم تبرز فهي بطن.
(سواء البطن والصدر، مسيح الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس) الكراديس: رءوس العظام، فعظم الركب مثلاً تسمى كراديس (أنور المتجرد).
أي: المواطن التي لا شعر فيها من جسمه تظهر كأن لها نوراً.
(موصول ما بين اللبة والسرة) هي الفتحة التي في أسفل الرقبة، أي: من لبته إلى سرته صلى الله عليه وسلم شعر يجري كالخط، وباقي صدره ليس فيه شعر ولذلك قال: (عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك) مما سوى ذلك أي: من الشعر.
(أشعر الذراعين والمنكبين) في الذراع والمنكب كان صلى الله عليه وسلم أشعر.
(عريض الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين) مرت.
(والقدمين، سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين) الأخمص من القدم في باطنها، وهو ما لا يصيب الأرض، هذا طبيعة الإنسان، لكن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان غير أخمص أي: أن قدمه كانت سواء.
(مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً، ويخطو تكفؤاً، ويمشي هوناً، ذريع المشية) ذريع المشية أي: أن مشيته متباعدة.
(إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف) أي: النظر.
(نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء) وهذا كناية عن التواضع.
(جل نظره الملاحظة) ما يدقق.
(يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام) صلوات الله وسلامه عليه.