[وفاة أبوي الرسول وجده]
الملقي: [وفاة والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه، وجده: ومات أبوه عبد الله بن عبد المطلب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى له ثمانية وعشرون شهراً.
وقال بعضهم: مات أبوه وهو ابن سبعة أشهر.
وقال بعضهم: مات أبوه في دار النابغة وهو حمل.
وقيل: مات بالأبواء بين مكة والمدينة.
وقال أبو عبد الله الزبير بن بكار الزبيري: توفي عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهرين.
وماتت أمه وهو ابن أربع سنين.
ومات جده عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين.
وقيل: ماتت أمه وهو ابن ست سنين.
الشيخ: هنا ذكر المصنف يُتمه صلى الله عليه وسلم مع الخلاف في زمن اليتم، فقيل: إنه وهو حمل، وقيل غير ذلك كما هو مذكور عندك، والأظهر أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الروايات على أنه مات أبوه وهو حملٌ في بطن أمه، وقد يكون مات أبوه بعد ولادته، هذه الروايات كلها موجودة والأظهر كما قلت الرواية الأولى: أنه وهو حملٌ صلوات الله وسلامه عليه، وقلنا أن أباه عبد الله مات في المدينة.
أما القول: بأنه مات في الأبواء بين مكة والمدينة كما هو مكتوب فهذا خلاف الصحيح، والصحيح: أن أمه ماتت بالأبواء وقبرها موجود هناك، أن أمه ماتت بالأبواء بعد أن مرضت بالمدينة ماتت بالأبواء صلوات الله وسلامه عليه، ثم بعد دفنه كفلته أمه مدة أربع سنوات وماتت بعد ذلك، ثم كفله جده عبد المطلب إلى ست أو ثمان، ثم كفله عمه أبو طالب.
الذي يعنينا في هذا المقام في فقه السيرة أن يُفهم أن الله جلّ وعلا لحكمةٍ أرادها أن يعيش نبيه صلى الله عليه وسلم يتيماً حتى تكتمل عليه منة الله، والله إذا أراد أن يمن على عبدٍ من عباده بشيء جنبه الناس، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام قدم جسده قبرناً قدم ولده للقربان، وقدم جسده للنيران، وقدم قلبه للرحمن، فلما هم قومه بأن يلقوه في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام أعبد أهل زمانه، بل أعبد الناس على الإطلاق بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان ملك القطر يعلم أن الله لن يُخزي إبراهيم فيحرقه بالنار، وأن الله سينصر إبراهيم لا محالة، ولكن يعلم أن النار لا يطفئها إلا الماء فغلب على ظنه أن الله جلّ وعلا سيأمره أن ينزل الماء القطر على النار حتى يطفئها فيسلم إبراهيم، فجعل ميكال يطأطأ رأسه ينتظر متى يؤمر أن ينزل القطر، ولكن الله جلّ وعلا إكراماً لإبراهيم خاطب النار بذاته العلية بقوله: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩]، فخرج منها صلوات الله وسلامه عليه بعد أن جعلها الله برداً وسلاماً خرج منها معافاً يمشي على قدميه والناس ينظرون.
ما لا يفقهه الناس هو أنه خرج وليس لأحدٍ من أهل الأرض عليه منة صلوات الله وسلامه عليه إلا منة الله، وهذه منزلة لا ينالها الإنسان إلا إذا بلغ درجة عظيمة في العبودية، فإن الإنسان إذا تحرر قلبه من غير الله كان أقرب إلى الله، وكلما تعلق قلبه بأحدٍ غير الله كان أبعد من الله جلّ وعلا، ومن أراد الله يرزقه الفلاح الحق الكامل لم يجعل في قلبه أحد غير ربه تبارك وتعالى، يحب بحبه، ويُبغض ببغضه، ويوالي بموالاته، فإذا بقي هذا القلب لا يعرف إلا الله جلّ وعلا في سرائه وضرائه وليله ونهاره وإقامته وسفره كانت رعاية الله جلّ وعلا به أعظم وعنايته به أكمل تبارك وتعالى، وهذا هو المقصود الأسمى من كونه صلى الله عليه وسلم نشأ يتيماً لم يرعاه أب حتى إذا بلغ النبوة نسب الناس نبوته إلى أبيه، ولم ترعاه أمه حتى إذا بلغ المجد نسب الناس رعايته وتربيته إلى أمه، قال الله جلّ وعلا مُمتناً عليه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:٦ - ٨].
ذكرت باليتم في القرآن تكرمة وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم الله قسم بين الخلق رزقهم وأنت خُيِّرتَ في الأرزاق والقسم إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخِيرةُ الله في لا منك أو نعم يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة حديثك الشهد عند الذائق الفهم جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم آياته كلما طال المدى جددٌ يزينهن جلال العتق والقدم أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم صلوات الله وسلامه عليه.
الملقي: رضاعه صلى الله عليه وسلم: وأرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة جارية أبي لهب، وأرضعت معه حمزة بن عبد المطلب، وأبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، أرضعتهم بلبن ابنها مسروح.
وأرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية.
الشيخ: بعد أن ذكر: أنه صلى الله عليه وسلم نشأ يتيماً وبينا الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم نشأ يتيماً ذكر المصنف رحمه الله من نلنا شرف رضاعته صلوات الله وسلامه عليه، ممن أرضعنه بلا شك أمه آمنة، وممن أرضعنه ثويبة جارية كانت لعمه أبي لهب، ولم يكن بالطبع أبو لهب يعلم أن هذا سيكون نبياً رسولا وأنه سيعاديه، ولكن جاريته ثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، وممن أرضعنه وهي أكثر من أرضعته حليمة السعدية المشهورة، خرجت به إلى بادية بني سعد في قصة نُقلت عنها، أنها جاءت إلى مكة وأخذته صلوات الله وسلامه عليه إلى بادية بني سعد، فتغير حالها وحال قومها مما هو مذكورٌ مشهور في كتب السيرة، أنا قلت: أنه في منهجنا في التدريس أن ما كان مشهوراً لا نُعرج عليه، وإنما نُعرج على ما كان مخفياً يحتاج الناس إلى بيانه، هؤلاء الثلاثة هن اللاتي أرضعنه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من لطف ربه به عليه الصلاة والسلام.