للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر عبد المطلب]

عبد المطلب ليس هو المطلب، وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد الذين كفلوه كما سيأتي تحريره في موضعه، واسمه شيبة، وقيل: شيبة الحمد، وإنما سُمي عبد المطلب؛ لأن المطلب الذي ذكرناه في الأول أخو هاشم لما جاء المدينة كان هذا شيبة صغيراً، وهو ابن أخيه هاشم، فلما مات هاشم أخذ المطلب شيبة وأردفه وراءه ودخل به مكة، فلما دخل به مكة ظن الناس من قريش أنه عبد للمطلب، فأخذوا يقولون: عبد المطلب عبد المطلب عبد المطلب حتى غلبت عليه، وإلا اسمه شيبة.

وتظهر فائدة ثانية قلما ينتبه إليها إلا القليل وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مُفتخراً: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، والشُرَّاح عندما يأتون إلى ذكر أنه لا يُذكر الإنسان أنه عبدٌ لغير الله يقولون: يجوز من باب النسب، ويأتون بهذا الدليل، يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، وهذا وهمٌ ممن قاله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: (أنا ابن عبد المطلب)، العبودية هنا لم يقصد بها القرشيون عبودية الذل وعبودية التعبد، وإنما قصدوا بها عبودية الرق، كما يقال: زيد مثلاً عبدٌ لبني فلان، عبدٌ بمعنى: رقيق ليس أنه يعبدهم.

فلم يُغير عليه الصلاة والسلام اسم جده، ولم يقل: إن عبد المطلب لم يكن عبداً؛ لأنه فهم الوضع الذي ذُكر منه الاسم، وهو أن شيبة ظنته قريشٌ عبداً للمطلب أي: أنه غلام له وعبد بمعنى عبودية رق.

والعبودية ثلاثة أقسام: عبودية رق وضدها الحرية، وهذه تُسمى عبودية شرعية قال الله: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:١٧٨].

وعبودية ذل وقهر وهذه يشترك فيها كل الخلق، الملائكة والجن والإنس كلهم عبيدٌ لله تبارك وتعالى من هذا الباب، عبودية ذل وقهر من جانب الرب تبارك وتعالى، ودليلها من القرآن: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:٩٣].

العبودية الثالثة: عبودية الطاعة، وتنقسم إلى قسمين: عبودية طاعةٍ لله، وعبودية طاعة لغير الله تبارك وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة) إلى آخر الحديث.

إذاً: عبودية الطاعة تنقسم إلى قسمين: طاعة للرب جل وعلا، وطاعة لغير الله، فالطاعة لله هي التي يتنافس فيها المتنافسون، ويشمر فيها العاملون، وهي التي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الذروة منها فكان كما قال الله جلّ وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:١]، قصد الله بها هنا: عبودية الطاعة.

هذا عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم الأول، ومن هذا نفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه عربيٌ من العرب المستعربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>