قال المصنف رحمه الله تعالى:[وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها: رَمْلَةُ بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصر بالحبشة، وأتم الله لها الإسلام، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النجاشي بأربعمائة دينار، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فيها إلى أرض الحبشة، وولي نكاحها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاصي، توفيت سنة أربع وأربعين].
هذه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكما كانت عائشة وحفصة بنت وزيريه فإن أم حبيبة تزوجها رسول الله وهي بنت عدوه أبي سفيان قبل أن يسلم أبو سفيان.
وكان عبيد الله بن جحش خرج من مكة مُسلمًا إلى الحبشة فاراً بدينه، وهناك في الحبشة تنصر ومات على الكفر! فالقلوب بيد الرحمن جلّ وعلا، ومن أسباب سوء الخاتمة الخوض في أعراض الناس، أعظم أسباب سوء الخاتمة الخوض في أعراض الناس، كان أحد الصالحين محبوباً من طلابه، وهذه القصة ذكرها الذهبي في الأعلام، وذكرها ابن خلكان، فكان رجل يحسده على هذه المنزلة من طلابه، فكان إذا جاء الشيخ يحدِّث يقوم هذا ويُشغِّب عليه في الحلقة، مع أنه حافظٌ للقرآن حسن الصوت به، فمرة أغضب الشيخ فقال الشيخ: اجلس فوالله إني لأخشى أن تموت على غير ملة الإسلام, ثم قدِّر لهذا الرجل الذي شغَّب على الشيخ أنه زار بغداد رجلٌ من سفراء النصارى من القسطنطينية، فلما أراد الرجوع أحب هذا الذي يحفظ القرآن الندي الصوت به أن يرى بلاد الروم، فذهب معه إلى القسطنطينية، فلما ذهب معه إلى القسطنطينية أعجبه عالمهم وترك الإسلام وبقي على النصرانية، ثم إن أحد تجار المسلمين دخل القسطنطينية فرآه وعرفه، وكان يعرف جمال صوته بالقرآن، فرآه وهو على باب إحدى الكنائس يهش الذباب عن نفسه، فقال له: يا هذا ما فعل الله بك؟! قال: أنا كما ترى، قال: إنني كنت أراك حافظاً للقرآن فما بقي في صدرك منه؟ فقال: لم يبق منه ولا شيء إلا آية واحدة، ثم مات والعياذ بالله على الكفر، فصدقت عليه مقولة الشيخ لما كان يراه يُشغب عليه في الحلقة فقال له: إني لأخشى أن تموت على غير ملة الإسلام! والإنسان إذا سلم قلبه من الحقد على الناس وسلم لسانه من الخوض في أعراضهم كان أدعى إلى أن يُوفق إلى حسن الخاتمة، وقد كان عندنا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ يمني، ليس له علاقة بالناس، يدخل المسجد وقت الصلوات ويخرج، وليس له أي ارتباط بالناس، وكان لا يقرأ ولا يكتب، فكان إذا دخل المسجد يأتي لأي إنسان يعني خال فيأخذ مصحفاً ويُعطيه للرجل الخالي ويقول: اقرأ عليَّ من كلام ربي، والناس يعرفونه خاصةً من يُكثر الصلاة في الحرم , فبقي على هذه الطريقة سنين، حتى كان عام ١٤١٨هـ دخل الحرم فرأى رجلاً خالياً فأخذ مصحفاً كالعادة وأعطاه للرجل، وقال له: اقرأ عليَّ من كلام الله، فقرأ عليه ومرَّ بآية سجدة، فسجد الاثنان القارئ والأخ اليمني، فانتهى القارئ من التسبيح ورفع رأسه وبقي الأخ اليمني ساجداً وقبضه الله جلّ وعلا وهو ساجد، مات في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هيأة ليس بعدها ولا أشرف منها هيأة وهي هيأة السجود لرب العالمين، نحن نتكلم عن الظاهر، أما سريرته فأمرها إلى الله، ولا نحكم لأحد بجنة ولا نار.
وهذا عبيد الله بن جحش يأخذ زوجته ويفر بدينه من مكة إلى الحبشة ثم يتنصر! ثق تماماً أنه لا يهلك على الله إلا هالك، دواخل القلوب هي من أعظم أسباب سوء الخاتمة، لكن الله جلّ وعلا أكرم وأرحم أن يكون أحد صادقاً معه ثم إن الله جل وعلا يخذله ويُميته ميتة السوء، فمن صدقت سريرته حسنت خاتمته، ومن صدق إلى الله فراره صدق مع الله قراره، من صدق إلى الله في فراره، وكان صادقاً في أوبته إلى الله، صدق مع الله قراره، يبقى مع ربه جلّ وعلا في إيمانه.
فلما تنصر زوج أم حبيبة ثم مات أكرمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن طلبها وخطبها وتزوجها عليه الصلاة والسلام، وسيقت له من الحبشة.