[أبناؤه صلى الله عليه وسلم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل في أولاده.
وله صلى الله عليه وسلم من البنين ثلاثة: القاسم: وبه كان يكنى، ولد بمكة قبل النبوة، ومات بها وهو ابن سنتين، وقال قتادة: عاش حتى مشى.
وعبد الله: ويسمى الطيب والطاهر، لأنه ولد في الإسلام.
وقيل: إن الطاهر والطيب غيره، والصحيح الأول.
وإبراهيم: ولد بالمدينة، ومات بها سنة عشر، وهو ابن سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر.
وقيل: كان له ابن يقال له: عبد العزى، وقد طهره الله عز وجل من ذلك وأعاذه منه].
بعد أن ذكر المصنف رحمه الله مولد النبي صلى الله عليه وسلم وحياته ووفاته ذكر جملة مما يتعلق بأولاده عليه الصلاة والسلام.
والولد في اللغة إذا أطلق يراد به الذكر والأنثى سوياً، قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١]، فتعبير العامة أن فلاناً رزق ولد على أنه ابن غير صحيح من حيث اللغة، وعلى العموم فإنه عليه الصلاة والسلام رزق من الأولاد ذكوراً وإناثاً.
بدأ المصنف رحمه الله بذكر الذكور الذين رزقهم عليه الصلاة والسلام وهم: القاسم، وهذا أكبر أبنائه، وأول من رزق على الأظهر، لكنه رزقه قبل أن يبعث، ومات وهو صغير، قيل: كان ابن سنتين.
وقيل غير ذلك.
وأياً كان؛ فإنه لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام وقد نبئ، وكان يكنى عليه الصلاة والسلام - كما مر معنا - بأبي القاسم.
ورزق عبد الله بعد النبوة، ولذلك لقب عبد الله بالطيب والطاهر، لكن عبد الله هذا مات كذلك وهو صغير.
ثم رزق إبراهيم من سريته مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس حاكم مصر، فتسراها عليه الصلاة والسلام فأنجب منها إبراهيم، وإبراهيم هذا عاش ثمانية عشر شهراً، ومات في شوال في السنة العاشرة قبل حجة الوداع، وهو الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام فيه: (وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).
وكانت له مرضعة اسمها فاطمة ترضعه في عوال المدينة، قال أنس رضي الله تعالى عنه: ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وكان عليه الصلاة والسلام يأتي إلى عوال المدينة فيحمل ابنه إبراهيم ويشمه ويضمه ويقبله، ثم فجع عليه الصلاة والسلام بوفاة ابنه إبراهيم فحزن قلبه ودمعت عيناه وقال: (إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).
وهذا من الدلائل على أن الإنسان مهما عظم شرفه وعظم قدره فإنه عرضة للبلاء، والصالحون أعظم عرضة، ونبينا عليه الصلاة والسلام إمام الصالحين وإمام الخلق أجمعين، فلم يكتب له أن يعيش له ولد كبير يعضده، وهذا من حكمة الله تبارك وتعالى.
وإبراهيم عليه السلام مات وعمره ثمانية عشر شهراً، والله يقول في كتابه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤] وكذلك الناس يعطون ويمنعون ويحرمون ويأخذون، والداعية وطالب العلم والموفق المسدد لسبيل الله يعلم أن الدنيا أخذ وعطاء، وصبر وابتلاء، وقد جعل الله جل وعلا الدنيا سجناً للمؤمن وجنة للكافر.
والمؤمن يأخذ من هذه العبر في وفاته عليه الصلاة والسلام ووفاة ابنه، وأنه لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، ولو لم يظفر طالب العلم بكلمة أعظم من هذه لكفى، لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، فأي عناء وأي مشقة تعتريك في طريقك إلى الله فتذكر جيداً أنه لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، لن ترتاح حتى تلقى الله تبارك وتعالى على الإيمان، أما دون ذلك فلا يمكن أن يصفو لك أمر لا القبر ولا القيام بين يدي رب العالمين، النبي عليه الصلاة والسلام دفن سعد بن معاذ، وذكر أنه شيعه سبعون ألف ملك من السماء ثم قال: (لقد ضم عليه القبر ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها هذا العبد الصالح)، فالمؤمن لا راحة له حتى يلقى الرب تبارك وتعالى، نسأل الله أن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه.