قال المصنف رحمه الله تعالى:[وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب بن يَعْمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مَعَد بن عدنان، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، فطلقها، فزوجها الله إياه من السماء، ولم يعقد عليها، وصح أنها كانت تقول لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات، توفيت بالمدينة سنة عشرين، ودفنت بالبقيع].
هذه زينب بنت جحش التي قالت مُفتخرة: زوجكن أهاليكن وزوجني الله جلّ وعلا من فوق سبع سماوات، والنبي عليه الصلاة والسلام كان قبل البعثة تبنّى زيد بن حارثة، فكان يُسمّى عند الناس زيد بن محمد فلما قال الله جلّ وعلا:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}[الأحزاب:٤٠]، وقال:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}[الأحزاب:٥] أصبح يُدعى زيد بن حارثة باسمه الحقيقي، وزيد هذا تزوج زينب بنت جحش ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تزوجها كانت ترى في نفسها أنها أعلى منه؛ لأنه مولى وهي قرشية، فأخبر الله نبيه أن زينب هذه التي هي الآن تحت زيد ستصبح زوجة لك.
فجاء زيد يشتكي زوجته زينب إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال له عليه الصلاة والسلام:(اتق الله وأمسك عليك زوجك)، فقال الله جلّ وعلا في كتابه:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا * وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ}[الأحزاب:٣٦ - ٣٧] فالقائل هو النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أنعم الله عليه وأنعم عليه الرسول هو زيد، قال الله:{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ}[الأحزاب:٣٧] الذي أخفاه في نفسه صلى الله عليه وسلم هو أنها ستكون زوجته {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}[الأحزاب:٣٧] الذي سيظهره الله وسيقع وسيكون هو زواجه من زينب {وَتَخْشَى النَّاسَ}[الأحزاب:٣٧] تخشى الناس أن يقولوا: تزوج محمد ابنة ابنه على ما كانوا يعتقدونه في الجاهلية.
قال الله:{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ}[الأحزاب:٣٧] ليس في القرآن ذكرٌ لأحد من الصحابة إلا زيد، وليس للقضية فضل في ذاته، وإنما القضية قضية حادثة عين، فلابد أن يُذكر باسمه حتى ينجلي ما في القلوب، وإلا فـ أبو بكر وعمر وغيرهما أفضل من زيد ولم يُذكر اسمهم صراحة في القرآن، لم يُذكر في القرآن إلا النبيون وثلاثة أو أربعة اختلف فيهم كـ لقمان وعزير، والنساء لم يُذكر منهن في القرآن إلا مريم ابنة عمران لشرفها وفضلها.