[أهمية وفوائد دراسة علم النوازل]
أولاً: التأكيد على صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان.
إن الدين لم يأت ليكون في زمن محدد، ثم إذا انتهى ذاك الزمن انتهى الإسلام وانتهت الشريعة، وإنما هو دين للناس إلى يوم القيامة، ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس إلى يوم القيامة، مع أن حياته انتهت، لكن بقي دينه، وبقيت أحكام الإسلام.
ثانياً: إن الاهتمام بهذا العلم يؤكد أن هذا الدين جاء لتحقيق مصالح العباد وحاجاتهم.
فكل مصالح العباد وحاجاتهم النفسية والاجتماعية، العامة والخاصة جاء هذا الدين بتحقيقها على أكمل وجه، لكن المشكلة الحقيقية في حياة الناس هي الجهل بأحكام الإسلام، والابتعاد عن تطبيقه.
ثالثاً: تفويت الفرصة في تطبيق القوانين الوضعية باسم التحكيم أحياناً.
رابعاً: تفويت الفرصة على العصرانيين والعلمانيين الذين يتكلمون فيما ينزل على الناس من أمور بدون فقه شرعي، وبدون أصول شرعية، فالنوازل الموجودة أصبحت مبرراً للذين يدعون إلى تطبيق القوانين الوضعية، ويقولون: إن هناك نوازل موجودة، ولا يمكن لنا أن نكون معزولين عن العالم، ولا أن نقاطع الدنيا، ولا أن نترك استخدام التقنية، ولا أن نكون متقوقعين، أو أننا نعيش في بيوت شعر أو في خنادق، أو نستخدم الخيول بدل السيارات أو نحو ذلك، لا بد أن نعيش في زمن معاصر حقيقي، ونعمل على تحديث المجتمع.
نحن بإمكاننا أن نعيش في العالم وإسلامنا ثابت، فبإمكاننا أن نأخذ الوسائل المعاصرة المفيدة لنا، وبإمكاننا أن نحقق كل هذه القضايا مع التزامنا بديننا، وسيأتي معنا الحديث عما يتعلق بهذه الاتجاهات في القواعد بإذن الله.
تفويت الفرصة على العصرانيين: فعندنا أشخاص كُثُر يتكلمون في مسائل العقيدة والأحكام وينشرون الباطل، ويبدلون الدين باسم الحديث في الأمور المعاصرة، ولهذا ينبغي على طالب العلم ألا يكون حديثه في الأحكام أو القضايا الاعتقادية حول أمور قديمة، صحيح أنه عندما يبدأ طالب العلم في التفقه لا بد أن يدرس كتب السلف القديمة، ويتفقه ويتعلم كيفية إخراج الأدلة، وهذه من الأصول الضرورية التي تلزم من يريد أن يتكلم في النوازل، لكن أن تبقى هي شغله الشاغل دون أن يعرف كيفية التعامل مع القضايا المعاصرة لا شك أن هذا خلل ينبغي الابتعاد عنه.
خامساً: تجديد الدين، وإحياء العقيدة في النفوس.
وهذه القضية لابد من الاستطراد فيها قليلاً، فنحن إذا لم نتحدث في النوازل بالمنهج الشرعي، فإنه سيتحدث عنها بالمنهج الباطل، ونذكر نموذجاً: كانت الدولة العثمانية ضعيفة في آخر زمنها، ونشأ في الدولة خلايا وجمعيات سرية متأثرة بالغرب الأوروبي، وكان الغرب الأوروبي في تلك الفترة في أقوى عصور النهضة، وكانت عروش الأوروبيين الذين كانوا على طريقة الملكية تتهاوى أمام نظر العالم بأكمله، فقام مجموعة من داخل البلاد الإسلامية -مثل العلمانيين في زماننا- وطالبوا الدولة العثمانية بتطبيق النظم العصرية في الحكم، فقالوا: لا بد أن يكون عندنا انتخابات ومجالس نيابية لا بد أن يحاسب الحاكم لا بد من الشفافية لا بد من حرية الفكر، وغيرها من الأفكار اللبرالية التي كانت موجودة في الغرب في تلك الفترة.
الحقيقة أن الدولة العثمانية في تلك الفترة كانت تحتاج إلى إصلاح حقيقي؛ لأن التصوف كان ينخر فيها، وكانت معاملاتها رديئة إلى أبعد حد، وكان هناك ضعف إداري عام، وكان هناك استبداد وظلم، وإقصاء لعدد كبير جداً من الناس، فكان بالإمكان أن يقوم الحكام العثمانيون ومعهم العلماء الأحناف في تلك الفترة بوضع مشروع إصلاحي متكامل يتناسب مع ظروف تلك المرحلة، ومنضبط بالضوابط الشرعية، وكان هناك إمكانيات كبيرة جداً في هذا الأمر، لكن لوجود التقليد عند الأحناف بشكل قوي جداً، بل إنهم أغلقوا باب الاجتهاد وحرموه، ووقفوا موقفاً سلبياً من الحركات التجديدية مثل حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره، ولوجود الاستبداد المتأصل في نفوس العثمانيين في تلك الفترة لم يحدث أي شيء، فما هي النتيجة بعد ذلك؟ أصبحت هناك ضغوط داخلية لهذه الفئة التي تريد أن تحول الدولة إلى دولة تطبق النظم الديمقراطية الغربية، وهناك ضغط خارجي على تطبيق هذه النظم أيضاً، وهناك إفلاس من حكام الدولة العثمانية، ومن العلماء الذين كانوا في تلك الفترة، سبب هذا النتيجة المأساوية التي حصلت في تاريخ الدولة العثمانية.
بالطبع فإن النتائج المأساوية التي حصلت للدولة العثمانية لا يتحملها العلماء والحكام في تلك الفترة، وإنما كان هناك خيانة من داخل البلاد الإسلامية؛ من اللبراليين والعلمانيين، فقد كانوا مرتبطين بالدول الغربية، وكانوا يأخذون التوجيهات من السفارات الأجنبية في الدولة العثمانية في تلك الفترة، كما هو حاصل في بلاد المسلمين اليوم.
وفي نفس الوقت كانت هناك ضغوط من دول جديدة وقوية من حيث السلاح، لكن كان هناك أيضاً ضعف شديد فيما يتعلق بفقه النوازل والتعامل معها تعاملاً سليماً، وإلا فقد كان بالإمكان أن تواجه مثل هذه المشكلات، ولو كان العلماء في تلك الفترة ملتزمون