القاعدة الثالثة: اعتقاد شمول الإسلام لكافة الأحوال والأزمان والأمكنة: وهذه القاعدة مرتبطة بالقاعدة الثانية، وهي أن هذا الدين جاء شاملاً لكل الحياة ولكل الأزمان وفي كل الأماكن، وأنه جاء للإنسان في أحواله الشخصية، وفي أحواله المدنية، وفي حالات النكاح والطلاق، وفي حالات البيع والشراء، والدماء والإرث وغير ذلك من العقائد والأحكام الشرعية الأساسية، واعتقاد ثبوت الإسلام لابد أن يكون عقيدة راسخة عند المسلمين.
والخلاف بيننا وبين الآخرين كالعلمانيين في هذا الباب هو أن العلمانيين لا يرون أن هذه العقيدة شاملة، وقد يستغرب البعض ويقول: وما دخلنا نحن في العلمانيين؛ نحن نتحدث عن نوازل ونريد أن نحكم عليها شرعاً؟ فنقول: ذهب الزمان الذي لا يتحدث فيه إلا أهل الإسلام؛ فنحن الآن مع الأسف من خلال الفضائيات ومن خلال الصحافة ومن خلال التأليف والكتب والمعارض التي تملأ بلاد المسلمين أصبح العلمانيون يتحدثون في القضايا الشرعية وفي النوازل التي تهم الأمة، ويتكلمون بلغة شرعية وبمناهج منحرفة.
فينبغي إدراك مثل هذه الأمور، ولهذا دخلوا حتى إلى أصول الفقه، وأصبحوا ينبشون بعض المذاهب المنحرفة القديمة مثل: قول الطوفي: بأن المصلحة تقدم على النص، واستدل عليها بأنه الإسلام جاء بتقرير المصالح ودرء المفاسد، وهذه قضية يقينية، ويدل عليها التواتر الوارد في القرآن وفي السنة، فإذا جاء النص الواحد وجاءت المصلحة فتقدم المصلحة؛ لأن المصلحة تدل عليها الأدلة المتواترة من القرآن ومن السنة، فنحن لم نقدم المصلحة لأنها مصلحة وإنما قدمنا المتواتر على الآحاد، وقدمنا اليقين على الظن، فانظر التلاعب! والحقيقة أن المصلحة كلمة فضفاضة، فأحياناً ما تعتقده أنت مصلحة يعتقده غيرك مفسدة، وما تعتقده مفيداً يعتقده غيرك ضاراً، فلابد من حد لهذا الموضوع.
هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: لا يمكن أن تعارض المصلحة النص؛ لأن الذي أمر وجعل أوامره محققة لمصالح العباد هو الذي جاء بالنص وأمر العباد به، ولا يمكن أن يتعارض، وهذه القضية مثل القضية المفترضة عند أهل الكلام في تعارض العقل والنقل، فيقولون - مثلاً - إنه إذا تعارض العقل والنقل فإننا نقدم العقل؛ لأنه هو أساس النقل، ولأننا أصلاً فهمنا النقل من خلال العقل، ولو قدحنا في العقل فإن هذا يستلزم القدح في النقل؛ لأن العقل هو أداة فهم النقل.
وبناءً على هذا فلو قدحنا في العقل فلا يمكن أن يفهم النقل مطلقاً، وكأنهم يتحدثون عن عقل مستقر وثابت يمكن تشخيصه ويمكن معرفة حقائقه، وهم في الحقيقة يتحدثون عن أمور تصوروا أنها معقولة ورتبوا عليها مذاهب معينة وآراء في العقيدة وسموها العقل، فمثلاً: دليل حدوث الأجسام عندهم هو العقل، ودليل التمانع هو العقل، فهذه أدلة ركبوها واعتقدوا أنها مقتضى العقل، وتركوا قضية العقل الذي هو غريزة فطرية عند الإنسان وأخذوا هذه الأدلة، وأصبحوا يتعاملون مع النصوص الشرعية على وفقها؛ كي يؤولوا ويغيروا بناءً على هذه المعقولات، وليست أموراً عقلية حقيقية.
والحقيقة: أن قضية معرفة أن الإسلام شامل لكل جوانب الحياة في غاية الأهمية، ولا يمكن أن يصادم هذا الدين مصلحة من المصالح الحقيقية في حياة الإنسان، وسيأتي في النماذج - إن شاء الله - تطبيق ما يدل على هذا المعنى.