[شبه في مسألة التكفير والرد عليها]
وهنا قضية أخرى مهمة جداً ناتجة عن ردود أفعال فيها، وهي: أن بعض الناس قد يشتط في هذا الجانب، ويقول: إن الكلام في المعينين ليس من محال التكليف، فينفي وجود التكفير للمعين أصلاً وهذا غير سليم؛ لأنه أصلاً، ما وجدت الأحكام المترتبة على الكفر إلا لوجود إمكانية تكفير المعين، ولهذا يقام عليه حد الردة ويحاسب ولكن لا يقام عليه حد الردة بأساليب غير مرتبة ولا منظمة، وإنما يقوم بها الحاكم والقاضي.
فإن قيل: لماذا تتعلق القضية بالحاكم وهي قضية من قضايا الشريعة العامة؟ فنقول: لأن هذه القضايا مما يقع فيها الاختلاف فربما يرى إنسان أنه تحققت في إنسان الشروط وانتفت الموانع، فلو قال: أنا أقيم عليه حد الردة، قلنا له: لا، هذا فهم فاسد فتطبيق الأحكام على المعينين ليس متروكاً لكل أحد، ولهذا وجد القضاة ووجدت الأحكام، من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ترك التطبيق لآحاد الناس لقتل الناس بعضهم بعضاً؛ لأنه قد يرى فلان من الناس ما لا يراه فلان وخصوصاً في فترة الأزمات التي يتكلم فيها الصغير والكبير، ويتكلم فيها العالم والجاهل، ويتكلم فيها كل أحد فهذه قضية خطيرة جداً.
فلا يمكن أن يعلق الحكم بآحاد الناس وهذا من الفقه الذي يجب أن يكون معروفاً؛ لأن أهل الغلو دخلوا على كثير من الناس من باب العزائم، والعزائم قد تعجب الكثير من الناس، فالدفاع عن الدين والغيرة عليه قضية أساسية وصحيحة في أصلها ولكن هناك خلل في تطبيقها، فيجب أن يكون الإنسان متوازناً.
والمهم بالنسبة للدراسة العقدية هو تنقيح مناط الأحكام، ومعرفة ما يكون مكفراً وما لا يكون مكفراً، والخلاف في هذه القضية هو بين أهل السنة المجمعين على أصول الاعتقاد الصحيحة وبين الفرق الضالة من الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم.
فتطبيق الأحكام أو تنزيلها على المعينين له ضوابطه الشرعية، وهي ليست موكلة بالأفراد، وإنما تترك أمورها لأهل الحل والعقد وفي نفس الوقت ليست من الأمور التي لا يمكن وقوعها، بل إنها تقع ولهذا وجد حكم المرتد، ووجدت الأحكام التي تطبق على المرتدين وقد قاتل الصحابة المرتدين كما هو معلوم.
وهناك قضية مهمة جداً وهي: أن هناك فرقاً بين المسائل الخفية والمسائل القطعية الواضحة، فالمسائل الخفية مثل: أن يسب الله أحد، أو يسب الدين صراحة، فلا نقول: إننا نحتاج إلى وجود شروط وانتفاء موانع فيه، بل العكس الذي يقول هذا الكلام قد قدح في الدين؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يسب الله وهو عاقل وواع دون أن يكون كافراً، وهذا يردنا إلى مقالة مشهورة للمرجئة، وهي: أن الكفر لا يكون باللسان، ولا بالجوارح، وإنما بالاعتقاد فقيل لهم: إذا صرح بالكفر وأنتم قد علقتموه بأمر باطني فما حكمه؟ قالوا: هو كافر في الظاهر بنطقه وبكلامه، ولكن الباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل فقد يكفر في الدنيا، وقد يسب الله في الدنيا ويكون يوم القيامة من أهل الجنة، هكذا يتصورون، وهذا أساس فاسد وخطير على العقيدة وبعضهم يقول حتى يخرج من أزمة تعليق التكفير بأمر قلبي لا يمكن معرفته، وهو التكذيب القلبي، ومثل هذه الأشياء الواضحة التي لا يمكن الجدال فيها مثل: سب الله، أو الدوس على المصحف تدل على الكفر الباطن.
فلهم طريقتان في الهروب من هذه المسألة: الطريقة الأولى: أن يكون كافراً في أحكام الدنيا، ولكنه عند الله قد يكون ناجياً.
الطريقة الثانية: أن هذا دليل على كفره الباطني.
فالشاهد: أن هناك فرقاً بين الأمور الواضحة البينة التي لا خفاء فيها، وبين الأمور التي يقع فيها الخفاء واللبس والإشكال، هذا بالنسبة لما يتعلق بأحكام المعينين.