[حكم البلاد التي يطبق فيها القانون الوضعي]
وهناك مسائل تتعلق بهذه المسألة أولاً: مسألة الدار، وهل الدار أو البلاد التي تطبق فيها القوانين الوضعية تعتبر دار كفر أم دار إسلام؟ فنقول: أولاً: مصطلح الدار ليس مصطلحاً موجوداً في النصوص، وإنما هو مصطلح فقهي أطلقه الفقهاء للتمييز بين أماكن المسلمين وأماكن الكفار وهو مصطلح مهم إذا عرف مفهومه الصحيح بعيداً عن الغلو.
وضابط الدار الصحيح هو: وجود أحكام الإسلام فيه، سواء كانت من خلال التحكيم -يعني: من خلال القضاء- أو من خلال المجتمع نفسه فإذا كان البلد الذي تطبق فيه القوانين الوضعية بلداً إسلامياً وقد ابتلي بتطبيق القوانين الوضعية، فهل يعتبر الدار كله دار كفر؟
الجواب
لا؛ لأن المسلمين لا يزالون يصلون، ويؤتون الزكاة، ويستغفرون ويسبحون وهذا من حكم الله الموجود، وأيضاً وجود الأحوال الشخصية مثل النكاح والطلاق ونحو ذلك فهي من أحكام الله عز وجل، وبناء على هذا فالبلد يغلب عليه الإسلام، فلا يقال: إن الدار دار كفر، وإنما هي دار إسلام؛ لأن أهل الإسلام هم الموجودون فيها، مع أنه في الحقيقة لا ينبغي أن تعلق على هذه اللفظة أحكام شرعية؛ لأنها أصلاً ليست واردة في القرآن ولا في السنة من حيث اللفظ، وإنما المعنى العام في التمييز بين بلاد المسلمين وبلاد الكفار موجود في كتب الفقهاء.
وأما أهل الغلو فقد علقوا على هذه المصطلحات أحكام، ورتبوها كالتالي: قالوا: أولاً: دار الكفر هو الذي تطبق فيه أحكام الكفر، والبلاد الإسلامية الآن تطبق القوانين الوضعية، وبناء على ذلك فهي دار كفر، ورتبوا على هذا أن من بقي في دار الكفر كفر، ويجب عليه الهجرة إلى دار تطبق فيها أحكام الإسلام، ولا يجوز له أن يبقى في بلاد لا تطبق فيه أحكام الإسلام، فخلطوا بذلك بين الحق والباطل في هذه المسألة، ورتبوا عليها تكفير الشعوب وتكفير الناس على لفظة ليست واردة في القرآن ولا في السنة أصلاً.
ثانياً: فهموا هذا المصطلح - أي: دار الكفر- فهماً غير سليم، وجعلوه الأشياء التي تنزل من الحكومة، يعني: ربطوا الأحكام الشرعية كلها بالحكومة وهذا غير صحيح؛ فالحكومة جزء من البلاد وليست كل البلاد، فهناك شعوب وأمم من البشر وأناس يقيمون أحكام الله عز وجل، فحتى لو كان هناك قانون وضعي ابتلي به أهل الإسلام فلا يقال: إن بلاد المسلمين دار كفر، فهذا من الغلو والفهم الخاطئ لمثل هذه المصطلحات، مع التأكيد على أن مثل هذه المصطلحات لم ترد في القرآن ولا في السنة، ولو كانت أحكام الكفر والإيمان مرتبة على هذه المصطلحات لوردت بنصها في القرآن والسنة، ولا يمكن أن تترتب مسائل الكفر والإيمان التي هي من أوضح مسائل العقيدة على مصطلح غير موجود في القرآن والسنة، ولهذا فإن من القضايا الأساسية في منهج الفقه العقدي في دراسة النوازل، أن المصدر في فهم هذه النوازل يجب أن يعود إلى القرآن والسنة، ويجب دائماً النظر إلى حقائق القرآن والسنة، والنظر إليها بشكل متكامل وليس بشكل جزئي.
القاعدة الرابعة: من لم يكفر الكافر فهو كافر.
وهذه قاعدة مشهورة عند أهل العلم، والمقصود بها: من لم يكفر الكافر المجمع على تكفيره، كاليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، وأما المنافق الذي يظهر أحياناً الكفر ويبطنه أحياناً، ويتستر تحت شهادة التوحيد فلا يصح أن يقال: من لم يكفره فهو كافر.
وبعض الناس يظهر له من شخص أنه كفر بناء على تحقيق الكفر فيه أو فعله له أو نطقه به، ووجود الشروط فيه وانتفاء الموانع عنه فيكفره، ثم لا يكتفي بهذا بل يحاسب بقية المسلمين، ويقول لهم: لابد أن تكفَّروا هذا الكافر، فإذا قالوا له: نحن لم يتبين لنا أنه كافر، قال: من لم يكفر الكافر فهو كافر وهذا كافر فإذا قيل له: لم يتبين لنا كفره.
بدأ يذكر ما عنده من معلومات حول كفره، فإذا قيل له: هذه المعلومات أنت تعرفها وأما نحن فلا نعرفها، وإنما يظهر لنا منه أنه يقول: لا إله إلا الله.
فيبدأ يحاسب المسلمين ويتهمهم بأن عندهم نقص في التوحيد ويجب عليهم أن يوحدوا الله، ثم يبدأ ينتقدهم، وأحياناً إذا كانوا من أهل العلم يبدأ يشتمهم ويشكك في ديانتهم وفي عقائدهم، ونحو ذلك وأحياناً قد يرميهم بالإرجاء، ونحو ذلك ولا شك أن هذا من الغلو وأحياناً قد يصل إلى الخوارج فيُكفرهم، بناء على قاعدة: من لم يكفر الكافر فهو كافر، فإذا قيل له: هذا في الكافر الأصلي، قال: قالوا: حتى من تبين منه الكفر في حين أنه تبين منه الكفر بالنسبة له وأما غيره فلم يتبين لهم.
وقد يكون هناك حالة غلو عند بعض الناس فيلغي قاعدة وجود الشروط وانتفاء الموانع.
وبشكل عام فأمور العامة والأمور العامة في حياة المسلمين يجب أن تناط بأهل الحل والعقد، ولا يجوز للأفراد أن يفتئتوا على أهل الحل والعقد من أهل العلم ويتكلموا في مثل هذه القضايا، ونحن نلاحظ الآن الخلاف الكبير في الساحة الدعوية والجهادية فيما يتعلق بالأحكام، وسببها عدم العودة إلى أهل العلم وقد كان الصحابة يستشيرون فيما هو أقل من ذلك، فكيف بمثل هذا فيجب أن تكون هذه محل شورى بين أهل العلم، ولا شك أن من ينا