- ومكتبة التفسير وعلوم القرآن على طول التاريخ الإسلامى مصداق هذا- ومبارك فى تشريعاته ومناهجه ومبادئه، ومبارك فى رسالته ومهمته وأغراضه، ومبارك
فى أثره وتأثيره وآثاره .. إلى غير ذلك من صور البركة التى تجلت فيه ..
يقول سيد قطب عن البركة فى حجمه ومحتواه:«فإن هو إلّا صفحات قلائل بالنسبة لضخام الكتب التى يكتبها البشر، ولكنه يحوى من المدلولات والإيحاءات والمؤثرات والتوجيهات فى كل فقرة منه، ما لا تحويه عشرات من هذه الكتب الضخام، فى أضعاف أضعاف حيزه وحجمه! وإن الذى مارس فن القول عند غيره من بنى البشر وعالج قضية التعبير بالألفاظ عن المدلولات، ليدرك أكثر مما يدرك الذين لا يزاولون فن القول، ولا يعالجون قضايا التعبير .. إن هذا النسق القرآنى مبارك من هذه الناحية- وإن هناك استحالة فى أن يعبر البشر فى مثل هذا الحيز- ولا فى أضعاف أضعافه- عن كل ما يحمله التعبير القرآنى من مدلولات ومفهومات وموحيات ومؤثرات! وإن الآية الواحدة تؤدى من المعنى وتقرر من الحقائق، ما يجعل الاستدلال بها على فنون شتى من أوجه التقرير والتوجيه شيئا متفردا لا نظير له فى كلام البشر .. »[الظلال: ٢/ ١١٤٧].
سورة العصر- على سبيل المثال- من أقصر سور القرآن آياتها ثلاث، ومع ذلك غنية فى معانيها حيث تكتب فيها كتب ومجلدات، وصدق الإمام الشافعى فى وصفها «لو تدبر الناس سورة العصر لوسعتهم».
كم سيخرج القارئ بزاد من المعانى والدلالات، وكم سيستنبط من الحقائق والتوجيهات، وكم سيقف على ثروة من القيم والتقريرات لهذه النصوص، عند ما يتعامل معها على هذا الأساس، إنه سيحتاج إلى صفحات كثيرة ليسجل عليها ما أوحت له بها من إيحاءات ..