لا يؤتمن على الدنيا فكيف على الدين، ثم لا يؤتمن فى الدين على الإخبار من عالم فكيف يؤتمن فى الإخبار عن أسرار الله تعالى، ولأنه لا يؤمن- إن كان متهما بالإلحاد- أن يبغى الفتنة، ويغر الناس بليّه وخداعه .. » إلى أن يقول:«ومن شروطه صحة المقصد فيما يقول ليلقى التسديد، فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: ٦٩] وإنما يخلص له القصد إذا زهد فى الدنيا، لأنه إذا رغب فيها لم يؤمن أن يتوسل به إلى غرض يصده عن صواب قصده، ويفسد عليه تمام عمله .. »[الإتقان للسيوطى: ٢/ ١٧٦].
ولقد سبق أن تحدثنا عن مفتاح ضرورى للتعامل مع القرآن، وهو دخول القارئ عالم القرآن بدون مقررات سابقة، وهو مرتبط بهذا الأساس الذى نقرره هنا. فهناك اشترطنا له حسن المدخل لعالم القرآن وحسن الاستعداد له وحسن الوصول إليه، وهنا نشترط له حسن البقاء معه، وحسن التلقى عنه، وحسن التعرض لأنواره، وحسن الحياة مع فتوحات الله ورحماته وفيوضاته فيه. وهذا كله لا يتحقق إلّا بصحة الاعتقاد أولا ثم صحة المقصد والغاية ثانيا .. إن الأهواء والبدع والضلالات والانحرافات حجب وموانع على قلوب أصحابها، وإن المنكرات والمحرمات والمعاصي والذنوب حجب وموانع كذلك. وإن فساد المقصد وسوء الباعث و «دنيوية النية وتجاريتها» فى التعامل مع القرآن كذلك. فلا بدّ من الإخلاص لله والإنابة إليه والاستعانة به والتلقى عنه ليستفيد ويفيد .. عليه أن لا يفسر أو يفهم القرآن حسب معلوماته السابقة التى تخالف توجيهات القرآن، ولا حسب أهوائه وميوله ورغباته التى لا يقرها القرآن .. وإنما يسعى إلى فهم مراد الله سبحانه من كلامه وأخذه والتعامل معه والالتزام به، إنه من المرفوض أن يستغل أناس القرآن، وأن يتعاملوا معه تعاملا مصلحيا نفعيا