بأحاسيسه، وترتد عنده إلى مذاقات وحقائق معاشة .. والسعادة الثانية فى أن يحتفظ بها ويحرص عليها ويشعر بغناه بها، وثروته منها .. فى أن يجعلها كنزا من كنوزه الثمينة العتيقة، ورصيدا وافرا من علمه ومعارفه وحقائقه ويقينياته، ومعينا ثرّا معطاء يعود إليه عند ما يحتاجه ليمده بالزاد والوقود والثقة والإيمان والثبات ..
ننصح القارئ أن يكون إلى جانبه أوراقه أثناء التلاوة، وأن يسجل فيها كل ما يجده، وأن لا يكون همه- وبخاصة عند أدائه لورد التدبر الذى أشرنا إليه، أن ينتهى من الآية أو الآيات بأقصر الأوقات .. إن حرصه على تقصير الوقت قد يكون مانعا من تدبره للقرآن، وإن «الكم» القرآنى وحرصه على تكثيره قد يكون مانعا كذلك، فلا يلتفت إلى مقدار ما قرأ وما تدبر، ولا يلتفت إلى الوقت الذى أمضاه فيه، فكم من الأوقات أمضاها الصحابة والعلماء والمتدبرون للقرآن فى تدبر آية من الآيات، وترديدها ساعات وساعات قد تستغرق الليل بطوله، رغم حرصهم على أوقاتهم وشعورهم بأهميتها وقيمتها وتحرجهم من أن يضيعوا لحظتها .. ومع ذلك جادوا بها من أجل التدبر والحياة فى ظلال القرآن، وقدموها له بسخاء وكرم ويقين ..
الوقت عند القارئ البصير خادم للقرآن وتابع له، يوظفه توظيفا نافعا، ويبذله بذلا كريما بسخاء، وبدون من أو أذى ..
وإذا ما سار القارئ فى يومه لعمله أو حاجته، أو ضرب فى الأرض لوظيفته، أو ساح فى ساعات نهاره، فماذا يشغل فكره ومشاعره أثناء سيره؟
وإلى أين سيرسل خطراته وخواطره وخياله؟ لا يجوز أن يخرجها عن عالم القرآن، بل يختار آية يعيشها بكيانه، ويرددها بمشاعره وحواسه، ويتلقى ظلالها وإيحاءاتها .. وعندها يحاول أن يسجل ما تلقيه إليه .. فإن لم يستطع أثناء سيره فليكن هذا أول ما يقوم به عند حلوله ونزوله ..