الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ (البقرة: ٤٦) يعنى يوقنون ويعلمون علم يقين أنهم سيلقون الرب تعالى ومعنى لقاءه تعالى- هو كشف الستائر الحاجبة للعبد عن الله فيراه قريبا مجيبا محيطا، العارفون بالله يكرمهم الله بلقائه هنا، فتشهد عيون أرواحهم أنوار وجهه الجميل، وأسرار تجلياته فيأنسون به فى كل مشهد ومظهر، وإنما عبر هنا بيظنون ولم يقل يوقنون رحمة بعباده فإنهم يشهدون من تجلياته على قدرهم، والحقيقة فى غيب الغيب والحق تعالى يقول فى الحديث القدسى:
«أنا عند حسن ظن عبدى بى» فالظن منك فى شهود الأنوار يقين عند الله واليقين هو كشف الأمر على ما هو عليه وهو لا يتمكن منه أى مخلوق عند مواجهة الحقيقة ولقاء الله الحق عند الخاصة يكون كرامة لهم هنا بعيون الروح لا بعيون الرأس، وفى الآخرة يكون بالعينين.
قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ.
ينسلخون من الغواشى والهيكل وتتخلص أرواحهم من الظلمات وترجع إلى أصلها، وهو النور فيتجلى لها النور جل جلاله، أ. هـ.
ونموذج آخر:
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (البقرة: ١٢٤) سبق فى علمه تعالى أن يبتلى العباد، والابتلاء هو الاختيار والامتحان الذى يكشف مكنون النفوس ويوضح غوامض الضمائر ولم يكن الامتحان لتجديد علم بل الحق تعالى يعلم ضمائر الخلق، ويرى الملبى والمخالف ولكن قدر ذلك لتظهر تلك الحقائق مشهودة للخلق فتكون شرفا للمطيع وحجة وسندا للمؤمن وتكون بلية على العاصى وإظهارا للكامن فى نفسه من الخبث والقساوة