للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له أن يدخل، ومتى كان الرجل ضعيفًا، وخشي على نفسه أن لا يصبر، أو يتعرَّض للسؤال، أو أن يقعَ في الشَّكِّ والتسخُّط، لم يجُز له ترك الأسباب حينئذٍ، وأنكر عليه غايةَ الإِنكار كما أنكر الإِمامُ أحمد وغيره على من ترك الكسب وعلى من دخل المفازة بغير زادٍ، وخشي عليه التعرُّض للسؤال. وقد روي عن ابن عباس، قال: كان أهل اليمن يَحُجُّون ولا يتزوَّدون ويقولون: نحن متوكِّلون، فيحجُّون، فيأتون مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] (١)، وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والنخعي، وغيرُ واحد من السلف، فلا يُرخَّصُ في ترك السبب بالكلية إلا لمن انقطع قلبُه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكُلية.

وقد رُوي عن أحمد أنه سُئل عن التوكُّل، فقال: قطعُ الاستشراف باليأس من الخلق، فسُئِلَ عن الحُجة في ذلك، فقال: قول إبراهيم عليه السَّلام لما عرض له جبريلُ وهو يُرمى في النار، فقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك، فلا (٢).

وظاهر كلام أحمد أنَّ الكسبَ أفضلُ بكلِّ حالٍ، فإنَّه سُئِل عمَّن يقعدُ ولا يكتسِبُ ويقول: توكَّلت على الله، فقال: ينبغي للناس كُلِّهم يتوكَّلون على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب.

وروى الخلال بإسناده عن الفُضيل بن عياض أنه قيل له: لو أنَّ رجلًا قعد في بيته زعم أنَّه يثق بالله، فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق بالله حتى يعلم منه أنه قد


(١) رواه البخاري (١٥٢٣)، وأبو داود (١٧٣٠).
(٢) هذا خبر لا يصح، رواه ابن جرير الطبري في "جامع البيان" ١٧/ ٤٥ من طريق معتمر بن سليمان التيمي، عن بعض أصحابه.
والصحيح ما في البخاري (٤٥٦٤) عن ابن عباس، قال: كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>