للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وثق به، لم يمنعه شيءٌ أراده، لكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غَيرُهم، وقد كان الأنبياء يؤجرون أنفسهم، وكان النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤجِّرُ نفسه وأبو بكر وعمر، ولم يقولوا: نقعد حتَّى يرزقنا الله عزّ وجلَّ، وقال الله عزّ وجلّ: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠]، ولابُد من طلب المعيشة.

وقد رُوي عن بشر ما يُشعر بخلاف هذا، فروى أبو نعيم في "الحلية" (١) أن بشرًا سُئِل عن التوكُّل، فقال: اضطرابٌ بلا سكون، وسكون بلا اضطراب، فقال له السائل: فسِّره لنا حتَّى نفقهَ، قال بشر: اضطراب بلا سكون، رجل يضطربُ بجوارحه، وقلبُه ساكن إلى الله، لا إلى عمله، وسكون بلا اضطراب فرجل ساكنٌ إلى الله بلا حركة، وهذا عزيزٌ، وهو من صفات الأبدالِ.

وبكل حال، فمن لم يصل إلى هذه المقامات العالية، فلابُدَّ له من معاناة الأسباب لاسيما من له عيال لا يصبرون، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَفى بالمرءِ إثمًا أن يُضيِّعَ من يَقُوتُ" (٢). وكان بشرٌ يقول: لو كان لي عيالٌ لعملتُ واكتسبتُ.

وكذلك من ضيَّع بتركه الأسباب حقًا له، ولم يكن راضيًا بفوات حقه، فإنَّ هذا عاجزٌ مفرِّطٌ، وفي مثل هذا جاء قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينْفَعُك، واستعن بالله ولا تَعْجِز، فإن أصابك شيءٌ، فلا تقولنَّ: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن الَّلو تفتحُ عمل الشيطان" خرَّجه مسلم بمعناه من حديث أبي هريرة (٣).


(١) ٨/ ٣٥١.
(٢) رواه من حديث عبد الله بن عمرو أبو داود (١٦٩٢)، وابن حبان (٤٢٤٠)، ورواه مسلم (٩٩٦)، وابن حبان (٤٢٤١) بلفظ: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبِس عمن يملك قوته".
(٣) رقم (٢٦٦٤)، وتقدم مختصرًا ص ٤٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>