(٢) قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ٧/ ٣٦٧: يقول الله تعالى منكرًا على الأعراب الذين أوّل ما دخلوا في الإسلام ادّعَوْا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكَّن الإيمان في قلوبهم بعدُ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}. وقد استفيد من هذه الآية الكريمة: أنّ الإيمان أخصُّ من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنّة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل - عليه السلام - حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقى من الأعمِّ إلى الأخصِّ، ثمّ للأخصِّ منه، قال الإمام أحمد: حدثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزُّهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أعطى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رجالًا ولم يُعط رجلًا منهم شيئًا، فقال سعد: يا رسولَ الله، أعطيتَ فُلانًا وفلانًا ولم تُعطِ فلانًا شيئًا، وهو مؤمن؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أوْ مسلم" - حتى أعادها سعدٌ ثلاثًا، والنبيٌ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أو مسلم" - ثمَّ قال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأعطي رجالًا وأدع من هو أحبّ إليّ منهم فلا أعطيه شيئًا مخافة أن يُكبُّوا في النَّار على وجوههم". أخرجاه في "الصحيحين" من حديث الزّهري، به. فقد فرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلم والمؤمن، فدل على أن الإيمان أخصّ من الإسلام، وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإيمان من "صحيح البخاري" ولله الحمد والمنّة، ودلّ ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلمًا ليس منافقًا، لأنّه تركه من العطاء،=