للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تفسيرُ الزِّيادةِ بالنَّظرِ إلى وجهِ اللهِ عزّ وجلَّ في الجنَّةِ، وهذا مناسبٌ لجعلهِ جزاءً لأهلِ الإحسانِ، لأنَّ الإحسانَ هو أن يَعبُدَ المؤمن ربَّه في الدُّنيا على وجهِ الحُضورِ والمُراقبةِ، كأنَّهُ يراهُ بقلبِهِ وينظرُ إليه في حالِ عبادتهِ، فكانَ جزاءُ ذلك النَّظرَ إلى اللهِ عيانًا في الآخرة.

وعكس هذا ما أخبرَ الله تعالى به عَنْ جَزاءِ الكُفَّار في الآخرةِ: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥]، وجعلَ ذلك جزاءً لحالهم في الدُّنيا، وهو تراكُم الرَّانِ على قُلوِبهم، حتَّى حُجِبَتْ عن معرفتِهِ ومُراقبته في الدُّنيا، فكان جزاؤُهم على ذلك أن حُجِبوا عن رُؤيته في الآخرة.

فقوله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الإحسان: "أنْ تعبدَ الله كأنَّكَ تراهُ إلخ" يشير إلى أن العبدَ يعبُدُ الله على هذه الصِّفة، وهي استحضارُ قُربِهِ، وأنَّه بينَ يديه كأنَّه يراهُ، وذلك يُوجبُ الخشيةَ والخوفَ والهيبةَ والتَّعظيمَ، كما جاء في رواية أبي هريرة: "أنْ تخشى الله كأنَّكَ تراهُ".

ويُوجِبُ أيضًا النُّصحَ في العبادة، وبذل الجُهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها.

وقد وصَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من أصحابهِ بهذه الوصيَّةِ، كما روى إبراهيمُ الهجريُّ (١) عن أبي الأحوصِ، عن أبي ذرٍّ، قال: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أنْ أخشى الله كأنِّي أراهُ، فإن لم أكن أراهُ، فإنَّهُ يراني.

ورُوي عن ابن عمرَ، قال: أخذَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ببعض جسدي، فقال: "اعبُدِ الله، كأنَّكَ تراهُ" خرَّجه النَّسائيُّ (٢) ويُروى من حديث زيد بن أرقم مرفوعًا


(١) هو إبراهيم بن مسلم العبدي المعروف بالهجري، ضعفه غير واحد من الأئمة، وقال ابن عدي: هو عندي ممن يُكتب حديثه يعني: يصلح حديثه للمتابعة والشواهد.
(٢) في الرقاق من "الكبرى" كما في "التحفة" ٥/ ٤٨١، وأخرجه أيضًا أبو نعيم في "الحلية" =

<<  <  ج: ص:  >  >>