للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذا مِنْ تصرُّف الرُّواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه، وإمَّا أن يكون المرادُ ترتيب الإِخبار فقط، لا ترتيبَ ما أخبر به.

وبكل حالٍ، فحديثُ ابن مسعود يدلُّ على تأخُّرِ نفخِ الرُّوح في الجنين وكتابة الملك لأمره إلى بعد أربعة أشهر حتَّى تتمَّ الأربعون الثالثة. فأمَّا نفخُ الرُّوح، فقد روي صريحًا عن الصَّحابة أنه إنَّما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهرٍ، كما دلّ عليه ظاهرُ حديث ابن مسعود. فروى زيدُ بنُ عليٍّ عن أبيه عن عليٍّ، قال: إذا تمَّتِ النُّطفة أربعة أشهر بُعِثَ إليها مَلَكٌ، فَنَفَخَ فيها الروح في الظُّلمات، فذلك قولُه تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: ١٤]، خرَّجه ابن أبي حاتم، وهو إسناد منقطع (١). وخرَّج اللَّالكائي بإسنادهِ عن ابن عباس، قال: إذا وقعت النطفةُ في الرَّحم، مكثت أربعة أشهر وعشرًا، ثم نفخ فيها الروح، ثم مكثَت أربعينَ ليلةً، ثم بُعِثَ إليها ملكٌ، فنقفها في نُقرة القفا، وكتب شقيًا أو سعيدًا (٢)، وفي إسناده نظر، وفيه أن نفخ الروح يتأخر عن الأربعة أشهر بعشرة أيام.

وبنى الإِمام أحمد مذهبه المشهور عنه على ظاهر حديثِ ابن مسعود، وأنَّ الطفل يُنفخ فيه الرُّوح بعد الأربعة أشهر، وأنَّه إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر، صُلِّي عليه؛ حيث كان قد نفخ فيه الروح ثم مات. وحكي ذلك أيضًا عن سعيد بن المسيب وهو أحد أقوال الشافعي وإسحاق، ونقل غيرُ واحدٍ عن أحمد أنه قال: إذا بلغ أربعة أشهر وعشرًا، ففي تلك العشر يُنفخ فيه الروح، ويُصلَّى عليه. وقال في رواية أبي الحارث عنه: تكون النَّسمةُ نطفةً أربعين ليلةً، وعلقةً


(١) وأورده ابن كثير ٥/ ٤٦١ من رواية ابن أبي حاتم.
(٢) رواه اللالكائي في "أصول الاعتقاد (١٠٦٠)، وفي سنده محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>