للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكان مالك بنُ دينار يقومُ طُولَ ليلهِ قابضًا على لحيته، ويقول: يا ربِّ، قد علمتَ ساكنَ الجنَّة من ساكن النَّار، ففي أيِّ الدَّارين منزلُ مالك؟ (١).

قال حاتمٌ الأصمُّ: مَنْ خلا قلبُه من ذكر أربعة أخطار، فهو مغترٌّ، فلا يأمن الشقاء: الأوَّل: خطرُ يوم الميثاق حين قال: هؤلاء في الجنَّة ولا أبالي، وهؤلاء في النَّار ولا أبالي، فلا يعلم في أيِّ الفريقين كان، والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث، فنودي الملك بالسعادة والشَّقاوة، ولا يدري: أمن الأشقياء هو أم من السعداء؟ والثالث: ذكر هول المطلع، ولا يدري أيبشر برضا الله أو بسخطه؟ والرابع: يوم يَصدُرُ النَّاسُ أشتاتًا، ولا يدري، أيّ الطريقين يُسلك به.

وقال سهل التُّستريُّ: المريدُ يخافُ أن يُبتلى بالمعاصي، والعارف يخافُ أن يُبتلى بالكُفر.

ومن هنا كان الصحابة ومَنْ بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزَعُهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاقَ الأصغرَ، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عندَ الخاتمة، فيخرجه إلى النفاق الأكبر، كما تقدم أن دسائس السوء الخفية تُوجِبُ سُوءَ الخاتمة، وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثرُ أن يقول في دعائه: "يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقيل له: يا نبيَّ الله آمنا بك وبما جئتَ به، فهل تخافُ علينا؟ فقال: "نعم، إنَّ القُلوبَ بين أصبعين من أصابع الله عزَّ وجلَّ يُقلِّبها كيف يشاء" خرَّجه الإِمام أحمد والترمذيّ من حديث أنس (٢).

وخرج الإِمام أحمد من حديث أمِّ سلمة أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُكثِرُ في دعائه أن يقول: "اللهُمَّ مقلِّبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك"، فقلت: يا رسول الله،


(١) رواه أبو نعيم في "الحلية" ٢/ ٣٨٤.
(٢) رواه أحمد ٣/ ١١٢ و ٢٥٧، والترمذيّ (٢١٤٠)، وحسَّنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>