للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أهله، فمن اتَّقى الأمور المشتبهة واجتنبها، فقد حَصَّنَ عِرْضَهُ مِنَ القَدح والشَّين الداخل على من لا يجتنبها، وفي هذا دليل على أنَّ من ارتكب الشُّبهات، فقد عرض نفسه للقدح فيه والطَّعن، كما قال بعض السَّلف: من عرض نفسه للتُّهم، فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ.

وفي رواية للترمذي في هذا الحديث: "فمن تركها، استبراءً لدينه وعرضه، فقد سَلِمَ " والمعنى: أنَّه يتركُها بهذا القصد - وهو براءةُ دينه وعرضه من النقص - لا لغرضٍ آخر فاسدٍ من رياءٍ ونحوه.

وفيه دليلٌ على أنَّ طلب البراءة للعرض ممدُوحٌ كطلب البراءة للدين، ولهذا ورد: "أنَّ ما وقى به المرءُ عِرضَه، فهو صدقةٌ".

وفي رواية في "الصحيحين" (١) في هذا الحديث: "فمن ترك ما يشتبه عليه مِنَ الإثمِ، كان لما استبانَ أتركَ" يعني: أن من ترك الإثمَ مع اشتباهه عليه، وعدم تحققه، فهو أولى بتركه إذا استبان له أنَّه إثمٌ، وهذا إذا كان تركه تحرُّزًا من الإثم، فأمَّا من يَقصِدُ التصنعَ للناسِ، فإنَّه لا يتركُ إلا ما يَظُنُّ أنَّه ممدوحٌ عندهم تركُه.

القسم الثاني: من يمع في الشبهات مع كونها مشتبهةً عنده، فأمَّا مَنْ أتى شيئًا مما يظنُّه الناس شبهةً، لعلمه بأنَّه حلال في نفس الأمر، فلا حَرَج عليه من الله في ذلك، لكن إذا خشيَ من طعن الناس عليه بذلك، كان تركُها حينئذ استبراءً لعرضه، فيكون حسنًا، وهذا كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمن رآه واقفًا مع صفية: إنَّها صفيَّةُ بنتُ حُيي" (٢). وخرج أنس إلى الجمعة، فرأى الناسَ قد صلَّوا


(١) هي رواية للبخاري (٢٥٠١)، وليست عند مسلم.
(٢) رواه البخاري (٢٠٣٥)، ومسلم (٢١٧٥)، وأبو داود (٢٤٧٠)، وأحمد ٦/ ٣٣٧ من حديث صفيَّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>