للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ورجعوا، فاستحيى، ودخل موضعًا لا يراهُ النَّاس فيه، وقال: "من لا يستحيي من الناس، لا يستحيي من الله". وخرَّجه الطبراني مرفوعًا، ولا يصحّ (١).

وإن أتى ذلك لاعتقاده أنَّه حلال، إمَّا باجتهادٍ سائغٍ، أو تقليدٍ سائغٍ، وكان مخطئًا في اعتقاده، فحكمهُ حكمُ الذي قبلَه، فإنَّ كان الاجتهادُ ضعيفًا، أو التقليدُ غيرَ سائغٍ، وإنَّما حمل عليه مجرّد اتباع الهوى، فحكمُهُ حكمُ من أتاه مع اشتباهه عليه، والذي يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه، فقد أخبر عنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وقع في الحرام، وهذا يفسر بمعنيين:

أحدهما: أنَّه يكونُ ارتكابُهُ للشبهة مع اعتقاده أنها شبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنَّه حرام بالتدريج والتسامح.

وفي رواية في "الصحيحين" لهذا الحديث: "ومن اجترأَ على ما يشكُّ فيه مِنَ الإثمِ، أَوشَكَ أن يُواقعَ ما استبانَ" (٢). وفي رواية (٣): "ومَنْ يُخالطِ الرِّيبةَ، يوشِكُ أن يَجْسُرَ" أي: يَقرُب أنْ يَقْدَمَ على الحرام المحضِ، والجسورُ: المقدام الذي لا يهابُ شيئًا، ولا يُراقب أحدًا، ورواه بعضهم: "يجشُر" بالشِّين المعجمة، أي: يرتع، والجَشْر: الرعي، وجشرتُ الدابة: إذا رعيتها. وفي مراسيل أبي المتوكل الناجي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يرعى بجنباتِ الحرامِ، يوشكُ أنْ يُخالطهُ، ومن تهاون بالمحقِّرات، يُوشِكُ أنْ يُخالِطَ الكبائر".

والمعني الثاني: أن من أقدم على ما هو مشتبهٌ عنده، لا يدري: أهو حلالٌ أو حرام، فإنَّه لا يأمن أن يكون حرامًا في نفس الأمر، فيُصادِفُ الحرام وهو لا


(١) رواه الطبراني في " الأوسط "، وذكره الهيثمي في "المجمع" ٨/ ٢٧، وقال: وفيه جماعة لم أعرفهم.
(٢) هي رواية للبخاري (٢٠٥١) فقط.
(٣) هي لابن حبان (٧٢١)، والنسائي ٨/ ٣٢٧، وأبي داود (٣٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>