في عبادته، والنصيحة لكتابه: الِإيمانُ به، والعمل بما فيه، والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوّته، وبذل الطاعة له فيما أَمَرَ به، ونهى عنه، والنصيحةُ لعامة المسلمين: إرشادُهم إلى مصالحهم. انتهى.
وقد حكى الِإمامُ أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتاب "تعظيم قدر الصلاة"(١) عن بعض أهلِ العلم أنَّه فسر هذا الحديث بما لا مزيدَ على حسنه، ونحن نحكيه هاهنا بلفظه. قال محمد بن نصر: قال بعض أهل العلم: جماعُ تفسير النصيحة هو عنايةُ القلب للمنصوح له مَنْ كان، وهي على وجهين: أحدهما فرض، والأخر نافلة، فالنصيحةُ المفترضة لله: هي شدة العناية من الناصح باتباعِ محبة الله في أداء ما افترض، ومجانبة ما حرَّم.
وأما النصيحة التي هي نافلة، فهي إيثار مَحبته على محبة نفسه، وذلك أن يَعْرِض أمرانِ، أحدهما لنفسه، والآخرُ لربه، فيبدأ بما كان لربه، ويؤخر ما كان لنفسه، فهذه جملة تفسير النصيحة لله، الفرض منه والنافلة، ولذلك تفسير، وسنذكر بعضَه لِيفهم بالتفسير من لا يفهم الجملة.
فالفرضُ منها مجانبةُ نهيه، وإقامةُ فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقًا له، فإنَّ عَجَزَ عن الِإقامة بفرضه لِآفة حَلَّتْ به من مرض، أو حبس، أو غير ذلك، عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلةُ المانعةُ له، قال الله عزّ وجلّ:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١]، فسماهم محسنين لِنصيحتهم لله بقلوبهم لمَّا مُنِعُوا من الجَهاد بأنفسهم.
وقد ترفع الأعمالُ كُلُّها عن العبد في بعض الحالات، ولا يُرفع عنه النصحُ للهِ، فلو كان من المرض بحالٍ لا يُمكنه عملٌ بشيء من جوارحه بلسانٍ ولا