غيره، غير أن عقلَه ثابت، لم يسقط عنه النصحُ لله بقلبه وهو أن يندمَ على ذنوبه، وينويَ إن صحَّ أن يقومَ بما افترض الله عليه، ويجتنبَ ما نهاه عنه، وإلا كان غيرَ ناصحٍ لله بقلبه.
وكذلك النصحُ لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أوجبه على الناسِ عن أمرِ ربه، ومن النصح الواجب لله أن لا يرضى بمعصية العاصي، ويُحِبَّ طاعةَ من أطاعَ الله ورسولَه.
وأما النصيحةُ التي هي نافلةٌ لا فرض، فبذل المجهود بإيثار الله على كُلِّ محبوب بالقلب وسائرِ الجوارح حتى لا يكونَ في الناصح فضل عن غيره؛ لأن الناصحَ إذا اجتهد، لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكُلِّ ما كان في القيام به سرورُه ومحبتُه، فكذلك الناصحُ لربه، ومن تنفَّل لله بدون الاجتهاد، فهو ناصح على قدر عمله، غير مستحق للنصح بكماله.
وأما النصيحة لكتاب الله، فشدةُ حبه وتعظيمُ قدره، إذ هو كلامُ الخالق، وشدةُ الرغبة في فهمه، وشدةُ العناية لتدبره والوقوف عند تلاوته لِطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، ويقوم به له بعدَ ما يفهمه، وكذلك الناصحُ من العباد يفهم وَصِيَّةَ من ينصحه، وإن ورد عليه كتابٌ منه، عُني بفهمه ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه، فكذلك الناصحُ لِكتاب ربه، يعنى بفهمه ليقوم لله بما أمر به كما يحب ويرضى، ثم يَنْشُرُ ما فهم في العباد ويُديم دراسته بالمحبة له، والتخلق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه.
وأما النصيحة للرسولِ - صلى الله عليه وسلم - في حياته، فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته، وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته. وأما بعد وفاته: فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره، ولزوم القيام به، وشدّة الغضب، والإعراض عمّن تديّن بخلاف سنته، والغضب على من ضيعها لأثرة