وقال: سمعتُ مالكًا يكره الجوابَ في كثرة المسائل، وقال: قال الله عزَّ وجلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء: ٨٥] فلم يأته في ذلك جواب.
وكان مالكٌ يكره المجادلة عَن السُّنن أيضًا. قال الهيثم بن جميل: قلت لمالك: يا أبا عبدِ الله، الرجلُ يكونُ عالمًا بالسُّنن يُجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسُّنَّةِ، فإن قُبِلَ منه، وإلَّا سكت. قال إسحاق بن عيسى: كان مالك يقول: المِراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل.
وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: المراء في العلم يُقسِّي القلوب، ويورِّث الضغن.
وكان أبو شريح الإسكندراني يومًا في مجلسه، فكثُرَتِ المسائلُ، فقال: قد دَرِنَتْ قلوبُكم منذُ اليوم، فقوموا إلى أبي حُميدٍ خالد بن حميد اصقُلوا قلوبكم، وتعلَّمُوا هذه الرغائب، فإنها تُجدِّدُ العبادة، وتُورث الزهادة، وتجرُّ الصداقة، وأقِلُّوا المسائلَ إلا ما نزل، فإنها تقسي القلوب، وتورث العداوة.
وقال الميمونيُّ: سمعتُ أبا عبد الله - يعني أحمد - يُسأل عن مسأَلة، فقال: وقعَت هذه المسألة؟ بُليتم بها بعدُ؟
وقد انقسم الناسُ في هذا الباب أقسامًا:
فمن أتباع أهلِ الحديث منْ سدَّ بابَ المسائل حتَّى قلَّ فقهه وعلمُه بحدود ما أنزل الله على رسوله، وصار حامِلَ فقه غيرَ فقيه.
ومن فقهاء أهل الرأي من توسَّع في توليدِ المسائل قبلَ وقوعها، ما يقع في العادة منها وما لا يقع، واشتغلُوا بتكلُّفِ الجواب عَنْ ذلك، وكثرة الخصومات فيه، والجدال عليه حتَّى يتولدَ مِنْ ذلك افتراقُ القلوب، ويستقرَّ فيها بسببه الأهواءُ والشحناء والعداوةً والبغضاءً، ويقترن ذلك كثيرًا بنية المغالبة، وطلب