العلوِّ والمباهاة، وصرف وجوه الناس وهذا ممَّا ذمه العلماءُ الربانيون، ولَّتِ السُّنَّةُ على قبحه وتحريمه.
وأما فقهاء أهل الحديث العامِلُون به، فإنَّ معظمَ همِّهمُ البحثُ عن معاني كتاب الله عزَّ وجلَّ، وما يُفسِّرُهُ من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سُنَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة صحيحها وسقيمِها، ثم التفقه فيها وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة والزهد والرقائق وغيرِ ذلك، وهذا هو طريقة الإمام أحمد ومَنْ وافقه من علماء الحديث الرَّبَّانيين، وفي معرفة هذا شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغُل بما أُحدثَ من الرأي ممَّا لا يُنتفع به، ولا يقع، وإنما يُورثُ التجادلُ فيه الخصوماتِ والجدالَ وكثرة القيل والقال. وكان الإمام أحمد كثيرًا إذا سُئِلَ عن شيء من المسائل المولدات التي لا تقع يقول: دعونا مِنْ هذه المسائل المحدثة.
وما أحسن ما قاله يونسُ بنُ سليمان السَّقَطِيُّ: نظرتُ في الأمر، فإذا هو الحديث والرأي، فوجدتُ في الحديث ذكرَ الرب عزَّ وجلَّ وربوبيتَه وإجلاله وعظمته، وذكرَ العرش وصفة الجنة والنار، وذكرَ النبيين والمرسلين، والحلال والحرام، والحثَّ على صلة الأرحام، وجماع الخير فيه، ونظرت في الرأي، فإذا فيه المكرُ، والغدرُ، والحيلُ، وقطيعة الأرحام، وجماع الشَّرِّ فيه.
وقال أحمد بن شبويه: من أراد علمَ القبرِ فعليه بالآثار، ومن أراد علم الخُبْزِ، فعليه بالرأي (١).
ومن سلك طريقة طلبِ العلم على ما ذكرناه، تمكَّن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبًا؛ لأن أصولها تُوجد في تلك الأصول المشار إليها، ولا بدَّ