يَتَوقَّوْن الانتفاع بما أحدثه مثلُ هؤلاء الملوك، وأما الإمام أحمد رحمه الله، فإنه رخَّصَ فيما فعلوه من المنافع العامة، كالمساجد والقناطر والمصانع، فإنَّ هذه يُنفق عليها من مال الفيء، اللهمّ إلَّا أنَّ يتيقَّن أنهم فعلوا شيئًا من ذلك بمالٍ حرام كالمُكوس والغصوب ونحوها، فحينئذ يتوقَّى الانتفاع بما عمل بالمال الحرام، ولعلَّ ابنَ عمر إنما أنكر عليهم أخذَهُم لأموال بيت المال لأنفسهم، ودعواهم أنَّ ما فعلوه منها بعد ذلك، فهو صدقة منهم، فإنَّ هذا شبيه بالغصوب، وعلى مثل هذا يُحمل إنكار من أنكر من العلماء على الملوك بنيان المساجد.
قال أبو الفرج بنُ الجوزي: رأيت بعضَ المتقدمين سئل عمن كسب حلالًا وحرامًا من السلاطين والأمراء، ثم بنى الأربطة والمساجد: هل له ثواب؟ فأفتى بما يُوجِبُ طيب قلب المنفق، وأنَّ له في إيقاف ما لا يملكه نوعٍ سمسرة؛ لأنَّه لا يعرف أعيان المغصوبين، فيرد عليهم. قال: فقلتُ واعجبًا من متصدِّرين للفتوى لا يعرفونَ أصولَ الشريعة، ينبغي أن ينظر في حال هذا المنفق أوَّلًا، فإن كان سلطانًا، فما يخرج من بيت المال، قد عرفت وجوهُ مصارفِه، فكيف يمنع مستحقيه، ويشغله بما لا يفيد من بناء مدرسة أو رباط؟ وإن كان مِن الأمراء ونوَّاب السلاطين، فيجب أن يردَّ ما يجب ردُّه إلى بيت المال، وإن كان حرامًا أو غصَبًا، فكلُّ تصرف فيه حرام، والواجب ردُّه على من أخذ منه أو ورثته، فإنَّ لم يعرف ردّ إلى بيت المال يصرف في المصالح أو في الصدقة، ولم يحظ آخذه بغير الإثم. انتهى.
وإنما كلامُه في السلاطين الذين عهدهم في وقته الذين يمنعون المستحقين من الفيء حقوقهم، ويتصرَّفونَ فيه لأنفسهم تصرف المُلَّاكِ ببناء ما ينسبونه إليهم من مدارسَ وأربطةٍ ونحوها مما قد لا يحتاج إليه، ويخص به قومًا دون قوم، فأما لو فرض إمامٌ عادلٌ يعطي الناس حقوقهم من الفيء، ثم يبني لهم