للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: ١٥] ثم قال لجاريته: إن دَرَيْتِ ما مناكِبُها، فأنت حُرة لوجه الله، قالت: مناكبُها: جبالُها، فكأنما سُمعَ في وجهه، ورغب في جاريته، فسألهم، فمنهم من أمره، ومنهم من نهاه، فسأل أبا الدرداء، فقال: الخيرُ طمأنينة والشر ريبة، فذَرْ ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وقوله في الرواية الأخرى: "إنَّ الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة" يشير إلى أنَّه لا ينبغي الاعتمادُ على قول كلِّ قائلٍ كما قال في حديث وابصة: "وإنْ أفتاك الناسُ وأفتوكَ" وإنما يُعْتَمَدُ على قولِ مَنْ يقول الصدقَ، وعلامةُ الصدق أنَّه تطمئن به القلوبُ، وعلامة الكذب أنه تحصل به الريبةُ، فلا تسكن القلوبُ إليه، بل تَنفِرُ منه.

ومن هنا كان العقلاء في عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا كلامَه وما يدعو إليه، عرفوا أنه صادق، وأنَّه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلامَ مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنَّه جاء بالباطل، وقد رُوي أن عمرو بن العاص سمعه قبلَ إسلامه يَدَّعي أنه أُنْزِلَ عليه: يا وَيْرُ يا وَيْرُ، لَكِ أذنان وصَدْر، وإنَّك لتعلم يا عمرو، فقال: والله إني لأعلم أنك تَكْذِبُ.

وقال بعضُ المتقدمين: صوِّرْ ما شئتَ في قلبك، وتفكر فيه، ثم قِسه إلى ضدِّه، فإنك إذا ميَّزْتَ بينهما، عرفتَ الحقَّ من الباطل، والصدقَ من الكذب، قال: كأنك تَصَوَّرُ محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ثم تتفكر فيما أتى به من القرآن فتقرأ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} الآية [البقرة: ١٦٤]، ثم تتَصوَّرُ ضِدَّ محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتجده مسيلمة، فتتفكر فيما جاء به فتقرأ:


= والثالث: في جوانبها، قاله مفاتل، والفراء، وأبو عبيدة، واختاره ابنُ قتيبة، وقال: ومنكبا الرجل: جانباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>