ولو علم الضيف أنهم لا يُضيفونه إلا بقوتِهم وقوت صبيانهم، وأن الصبية يتأذَّوْنَ بذلك، لم يجز له استضافتُهم حينئذ عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يَحِلُّ له أن يُقيمَ عندَه حتَّى يُحرجه"(١).
وأيضًا فالضيافة نفقة واجبة، فلا تجب إلا على مَنْ عنده فضلٌ عن قوته وقوتِ عياله، كنفقة الأقارب، وزكاةِ الفطر. وقد أنكر الخطابي تفسيرَ تأثيمه بأن يُقيمَ عندَه ولا شيءَ له يَقريه، وقال: أراه غلطًا، وكيف يأثم في ذلك وهو لا يتسع لِقراه، ولا يجد سبيلًا إليه؟ وإنما الكلفة على قَدرِ الطاقة، قال: وإنما وَجْهُ الحديثِ أنه كَرِهَ له المقام عندَه بعدَ ثلاث لِئلا يضيقَ صدرُه بمكانه، فتكون الصدقة منه على وجه المنِّ والأذى فيَبْطُلُ أجرُه، وهذا الذي قاله فيه نظر، فإنه قد صحَّ تفسيرُه في الحديث بما أنكره، وإنما وجهه أنه إذا أقامَ عندَه ولا شيءَ له يقريه به، فربما دعاه ضيقُ صدره به، وحرجه إلى ما يأثم به في قول، أو فعل، وليس المرادُ أنه يأثم بترك قِراه مع عجزه عنه، والله أعلم.
(١) رواه البخاري (٦١٣٥) ومسلم (٤٨) (١٥) ٣/ ١٣٥٣ وأبو داود (٣٧٤٨)، والترمذي (١٩٦٨)، وابن ماجه (٣٦٧٥)، وأحمد ٤/ ٣١ من حديث أبي شريح الخزاعي.