للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ له أن يَثوِيَ عندَه حتى يُحْرجَه" يعني يُقيم عندَه حتى يُضَيِّقَ عليه، لكن هل هذا في الأيام الثلاثة أم فيماَ زاد عليها؟ فأما فيما ليس بواجبٍ، فلا شك في تحريمه، وأما في ما هو واجب وهو اليوم والليلة فينبني على أنه هل تجب الضيافة على من لا يجد شيئًا أم لا تجب إلا على من وجد ما يضيف به؟ فإن قيل (١): إنها لا تجب إلا على من يجد ما يضيف به - وهو قولُ طائفة من أهلِ الحديث، منهم حُميدُ بنُ زنجويه - لم يحل للضيف أن يستضيف من هُوَ عاجز عن ضيافته. وقد رُويَ من حديث سلمان قال: "نهانا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن نتكلَّفَ للضيفِ ما ليسَ عندنا" (٢) فإذا نهي المضيف أن يتكلَّفَ للضيف ما ليس عنده دلَّ على أنه لا تَجبُ عليه المواساةُ للضيف إلا مما عنده، فإذا لم يكن عنده فَضلٌ لم يلزمه شَيءٌ، وأما إذا آثَرَ على نفسه، كما فعل الأنصاريُّ الذي نزل فيه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (٣) [الحشر: ٩] فذلك مقامُ فضلٍ وإحسان، وليس بواجب.


(١) في (ب): "فالأظهر".
(٢) رواه أحمد ٥/ ٤٤١ والطبراني في "الكبير" (٦٠٨٣) و (٦٠٨٤) و (٦٠٨٥) و (٦١٨٧).
قال الهيثمي في "المجمع" ٨/ ١٧٩: رواه أحمد والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، فأحد أسانيد "الكبير" رجاله رجال الصحيح.
(٣) روى البخاري (٤٨٨٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى رجلٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أصابني الجَهْدُ. فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهُنَّ شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا رجل يُضيفُه الليلةَ يرحمُه الله؟ " فقام رجلٌ من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا تَدَّخريه شيئًا. فقالت: والله ما عندي إلَّا قوتُ الصِّبية. قال: فإذا أراد الصبيةُ العشاءَ فنوِّميهم، وتَعالَي فأطفئي السِّراجَ، ونطوي بطوننا الليلةَ. ففعلت. ثم غدا الرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لقد عجب الله - عزّ وجلّ - أو ضَحِك من فلان وفلانة، فأنزل الله - عزّ وجلّ - {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ورواه مسلم (٢٠٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>