للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تغلَّظ، وحمل النهي عن المُثلةِ على القتل بالقصاص، واستدلَّ من أجاز ذلك بحديثِ العُرنيين، وقد خرجاه في "الصحيحين" (١) من حديث أنس: أن أناسًا من عُرينة قَدِمُوا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاجْتَوَوْهَا، فقال لهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئتم أن تَخرُجُوا إلى إبل الصدقة، فتشربوا من ألبانها وأبوالها، فافعلوا" ففعلوا فصحُّوا، ثم مالوا على الرعاء، فقتلوهم، وارتدّوا عن الِإسلام، وساقوا ذَودَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجُلَهم، وسَمَلَ أعينَهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا، وفي رواية: ثم نُبِذُوا في الشمس حتى ماتوا، وفي رواية: وسمرت أعينُهم، وألقوا في الحرَّةِ يَستَسقون فلا يسقون، وفي رواية للترمذي: قطع أيديَهم وأرجلهم من خلافٍ، وفي رواية للنسائي: وصَلَبَهُم.

وقد اختلف العلماء في وجه عقوبة هؤلاء. فمنهم من قال: من فعل مِثلَ فعلهم فارتدَّ، وحارب، وأخذ المالَ، صنع به كما صنع بهؤلاء، وروي هذا عن طائفة، منهم أبو قِلابة، وهو روايةٌ عن أحمد.

ومنهم مَنْ قال: بل هذا يدلُّ على جواز التمثيل بمن تغلَّظَتْ جرائمُهُ في الجملة، وإنما نهي عن التمثيل في القصاص، وهو قول ابن عقيل من أصحابنا.

ومنهم من قال: بل نسخ ما فعل بالعرنيين بالنهي عن المُثلةِ.

ومنهم من قال: كان قبلَ نزولِ الحدودِ وآيةِ المحاربة، ثم نُسخ بذلك، وهذا قولُ جماعة منهم الأوزاعي وأبو عُبيد.

ومنهم من قال: بل ما فعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهم إنما كان بآية المحاربة، ولم ينسخ


(١) رواه البخاري (١٢٣٣ و (٣٠١٨) و (١٤٦١٠ و (٦٨٩٩) ومسلم (١٦٧١) (٩) و (١٠) و (١١) و (١٢) و (١٣) و (١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>