أن يغفر له جميعُ ذنوبه صغيرها وكبيرها. فإن كان مرادهم أن مَنْ أتى بفرائض الإسلام وهو مُصرٌّ على الكبائر تغفر له الكبائرُ قطعًا، فهذا باطلٌ قطعًا، يُعْلَمُ بالضرورة من الدِّين بطلانه، وقد سبق قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أساءَ في الإسلام أُخِذَ بالأوَّلِ والآخر"(١) يعني: بعمله في الجاهلية والإسلام، وهذا أظهرُ من أن يحتاجَ إلى بيانٍ، وإن أرادَ هذا القائلُ أنَّ من ترك الإصرارَ على الكبائرِ، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندم على ما سلف منه، كُفِّرَت ذنوبه كلُّها بذلك، واستدلَّ بظاهر قوله:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء: ٣١]. وقال: السيئات تشملُ الكبائرَ والصغائر، فكما أن الصغائرَ تُكفَّرُ باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نيَّةٍ، فكذلك الكبائرُ، وقد يستدلُّ لذلك بأنَّ الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وبتكفير السَّيِّئات، وهذا مذكورٌ في غير موضع من القرآن، وقد صار هذا من المتَّقين، فإنَّه فعل الفرائضَ، واجتنبَ الكبائرَ، واجتنابُ الكبائر لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ وقصدٍ، فهذا القولُ يمكن أن يُقال في الجملة.
والصَّحيح قول الجمهور: إنَّ الكبائر لا تُكفَّرُ بدون التوبة، لأنَّ التوبة فرضٌ على العباد، وقد قال عزَّ وجلَّ:{وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات: ١١]. وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم، ومنهم من فسَّرها بالعزم على أن لا يعود، وقد روي ذلك مرفوعًا من وجه فيه ضعفٌ، لكن لا يعلم مخالفٌ من الصحابة في هذا، وكذلك التابعون ومَنْ بعدهم، كعمر بن عبد العزيز، والحسن وغيرهما.