[الأنفال: ٢٩]، وقوله تعالى:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[التغابن: ٩]، وقوله:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}[الطلاق: ٥]، فإنه لم يُبين في هذه الآيات خصال التقوى، ولا العمل الصالح، ومن جملة ذلك: التوبة النصوح، فمَنْ لم يتب، فهو ظالم، غيرُ متّقٍ.
وقد بين في سورة آل عمران خصالَ التقوى التي يغفر لأهلها ويدخلهم الجنة، فذكر منها الاستغفار، وعدم الإصرار، فلم يضمن تكفيرَ السيئات ومغفرة الذنوب إلَّا لمن كان على هذه الصفة، والله أعلم.
ومما يستدل به على أن الكبائر لا تُكَفَّرُ بدونِ التوبة منها، أو العقوبة عليها حديثُ عُبادةَ بن الصامت، قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"بايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا"، وقرأ عليهم الآية، "فمن وفى منكم، فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعُوقِبَ به، فهو كفَّارَةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فستره الله عليه، فهو إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له خرجاه في "الصحيحين"، وفي رواية لمسلم: "من أتى منكم حدًا فأقيم عليه فهو كفارته" (١). وهذا يدل على أن الحدود كفارات. قال الشافعي: لم أسمع في هذا الباب أن الحدَّ يكونُ كفارةً لأهله شيئًا أحسنَ مِنْ حديث عُبادةَ بن الصامت.
وقوله: "فعوقب به" يعمُّ العقوبات الشرعية، وهي الحدود المقدَّرةُ أو غير المقدَّرة، كالتعزيرات، ويشمل العقوبات القدرية، كالمصائب والأسقام والآلام، فإنَّه صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يصيبُ المسلمَ نصبٌ ولا وَصَبٌ