والتكفير مِنْ هذا الجنس، لأن أصل الكفر السترُ والتغطيةُ أيضًا.
وقد فرَّق بعضُ المتأخرين بينهما بأنَّ التكفير محوُ أثر الذنب، حتَّى كأنه لم يكن، والمغفرة تتضمن - مع ذلك - إفضالَ اللهِ على العبد وإكرامه، وفي هذا نظر.
وقد يفسر بأنَّ مغفرةَ الذنوب بالأعمَال الصالحة تَقلِبُها حسناتٍ، وتكفيرها بالمكفرات تمحوها فقط، وفيه أيضًا نظر، فإنَّه قد صحَّ أن الذنوبَ المعاقَب عليها بدخول النار تُبَدَّلُ حسناتٍ فالمكفرة بعمل صالح يكون كفارةً لها أولى.
ويحتمل معنيين آخرين:
أحدهما: أن المغفرة لا تحصلُ إلا مع عدم العقوبة والمؤاخذة، لأنها وقاية شر الذنب بالكلية، والتكفير قد يقع بعد العقوبة، فإن المصائبَ الدنيوية كلَّها مكفراتٌ للخطايا، وهي عقوبات، وكذلك العفوُ يقع مع العقوبة وبدونها، وكذلك الرَّحمة.
والثاني: أن الكفاراتِ من الأعمال ما جعلها الله لمحو الذنوب المكفرةِ بها، ويكون ذلك هو ثوابَها، ليس لها ثوابٌ غيرُه، والغالبُ عليها أن تكون من جنس مخالفة هوى النفوسِ، وتَجَشُّم المشقة فيه، كاجتنابِ الكبائر الذي جعله الله كفارةً للصغائر.
وأما الأعمال التي تُغفر بها الذنوبُ، فهي ما عدا ذلك، ويجتمع فيها المغفرةُ والثوابُ عليها، كالذكر الذي يُكتب به الحسنات، ويُمحى به السيئات، وعلى هذا الوجه فَيُفرَّقُ بين الكفارات من الأعمال وغيرها، وأما تكفيرُ الذنوب ومغفرتها إذا اضيف ذلك إلى الله، فلا فرق بينهما، وعلى الوجه الأوَّل يكونُ بينهما فرق أيضًا.