للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: قولُ ابن عمر لمَّا أعتق العبد الذي ضربه: ليس لي في عتقه مِنْ الأجر شيء، واستدلَّ بأنَّه كفارة.

والثاني: أن المصائب الدنيوية كُلَّها مكفراتٌ للذنوب، وقد قال كثير من الصحابة وغيرهم مِنَ السَّلف: إنه لا ثواب فيها مع التكفير، وإن كان بعضهم قد خالف في ذلك، ولا يقال: فقد فسر الكفارات في حديث المنام (١) بإسباغ الوضوء في المكروهات، ونقلِ الأقدام إلى الصلوات، وقال: مَنْ فَعل ذلك، عاش بخير، وماتَ بخير، وكان من خطيَئته كيومَ ولدته أمه.

وهذه كلها مع تكفيرها للسيئات ترفعُ الدرجات، ويحصل عليها الثوابُ، لأنا نقول: قد يجتمع في العمل الواحد شيئانِ يُرفعُ بأحدهما الدرجات، ويُكفر بالآخر السيئات، فالوضوء نفسه يُثاب عليه، لكن إسباغَه في شدَّة البردِ من جنس الآلام التي تحصل للنفوس في الدنيا، فيكون كفارةً في هذه الحال، وأما في غير هذه الحالة، فتغفر به الخطايا، كما تغفر بالذكر وغيره، وكذلك المشي إلى الجماعات هو قُربةٌ وطاعةٌ، ويُثاب عليه، ولكن ما يحصل للنفس به مِنَ المشقة والألم بالتعب والنصب هو كفارة، وكذلك حبسُ النفس في المسجد لانتظار الصلاة وقطعها عن مألوفاتها من الخروج إلى المواضع التي تميل النفوس إليها، إما لكسب الدنيا أو للتنزُّه، هو مِنْ هذه الجهة مؤلم للنفس، فيكون كفارةً.

وقد جاء في الحديث أن إحدى خطوتي الماشي إلى المسجد ترفعُ له درجةً، والأخرى تحط عنه خطيئة (٢). وهذا يُقوِّي ما ذكرناه، وأن ما حصل به


(١) قطعة من حديث مطول رواه أحمد ٥/ ٢٤٣، والترمذي (٣٢٣٥) من طريق عبد الرحمن بن عائشة، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، وقال الترمذي: حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عنه، فقال: حديث حسن صحيح.
(٢) قطعة من حديث رواه أحمد ٢/ ٢٥٢، والبخاري (٤٧٧)، ومسلم (٦٤٩) ص (٤٥٩)، وأبو داود (٥٥٩)، والترمذي (٦٠٣)، وابن ماجه (٢٨١)، وصححه ابن =

<<  <  ج: ص:  >  >>