للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بعض السَّلف أنه يُمحى بإزاء السيئة الواحدة ضعفٌ واحدٌ من أضعاف ثواب الحسنة، وتبقى له تسع حسنات. والظاهر أن هذا مختصٌّ بالصغائر، وأمَّا في الآخرة، فيُوازَنُ بين الحسنات والسيئات، ويُقَصُّ بعضُها من بعضٍ، فمن رجحت حسناتُه على سيئاته، فقد نجا، ودخل الجنة، وسواء في هذا الصغائر والكبائر، وهكذا من كانت له حسنات وعليه مظالم، فاستوفى المظلومون حقوقَهم من حسناته، وبقي له حسنةٌ، دخل بها الجنة. قال ابن مسعود: إن كان وليًا لله ففضل له مثقال ذرَّةٍ، ضاعفها الله له حتَّى يدخل الجنة، وإن كان شقيًا قال الملك: ربِّ فَنِيَتْ حسناتُه، وبقي له طالبون كثير، قال: خُذوا من سيئاتهم، فأضعِفوها إلى سيئاته، ثم صُكُّوا له صكًا إلى النار، خرجه ابن أبي حاتم وغيرُه.

والمرادُ أنّ تفضيلَ مثقالِ ذرَّةٍ مِنَ الحسنات إنما هو بفضل الله عزَّ وجلَّ، لمضاعفته لحسنات المؤمن وبركته فيها، وهكذا حالُ مَنْ كانت له حسناتٌ وسيئاتٌ، وأرادَ الله رحمته، فضل له من حسناته ما يُدخِلُه به الجنةَ، وكُلُّه من فضل الله ورحمته، فإنه لا يدخل أحدٌ الجنَّةَ وإلَّا بفضل الله ورحمته.

وخرَّج أبو نعيم (١) بإسنادٍ ضعيفٍ عن عليٍّ مرفوعًا: "أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: قُلْ لأهل طاعتي مِنْ أُمتِّك: لا يَتَّكِلوا على أعمالهم، فإنِّي لا أُقاصُّ عبدًا الحساب يومَ القيامةِ أشاءُ أن أُعذِّبه إلَّا عذبتُه، وقل لأهل معصيتي من أمتك: لا يُلقوا بأيديهم، فإني أغفرُ الذَّنب العظيمَ ولا أُبالي"، ومصداقُ هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ" وفي رواية "هلك" (٢) والله أعلم.


(١) في "الحلية" ٤/ ١٩٥.
(٢) رواه من حديث عائشة أحمد ٦/ ٤٧، والبخاري (١٠٣)، ومسلم (٢٨٧٦)، وأبو داود (٣٠٩٣)، والترمذي (٣٣٣٧)، وصححه ابن حبان (٧٣٦٩) و (٧٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>