للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وإذا صارت الصغائر كبائر بالمداومة عليها، فلا بُدَّ للمحسنين من اجتناب المداومة على الصغائر حتى يكونوا مجتنبين لكبائر الإثم والفواحش، وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: ٣٦ - ٤٠].

فهذه الآيات تضمَّنت وصفَ المؤمنين بقيامهم بما أوجب الله عليهم مِنَ الإيمانِ والتوكلِ، وإقام الصَّلاةِ، والإنفاق مما رزقهمُ الله، والاستجابة لله في جميع طاعاته، ومع هذا، فهم مجتنبون كبائرَ الإثم والفواحش، فهذا هو تحقيقُ التقوى، ووصفهم في معاملتهم للخلق بالمغفرة عندَ الغضبِ، وندبهم إلى العفو والإصلاح. وأمَّا قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} فليس منافيًا للعفو، فإنَّ الانتصارَ يكون بإظهار القُدرة على الانتقام، ثم يقعُ العفوُ بعد ذلك، فيكون أتمَّ وأكملَ. قال النخعي في هذه الآية: كانوا يكرهون أن يُستذلُّوا، فإذا قَدَرُوا عَفَوا (١). وقال مجاهد: كانوا يكرهون للمؤمن أن يذلَّ نفسه،


= وقال السخاوي في المقاصد الحسنة" ص ٤٦٧ رواه أبو الشيخ والديلمي والعسكري في "الأمثال" من حديث ابن عباس مرفوعًا بسند ضعيف، ومثله موقوفًا عند ابن المنذر في "تفسيره" والبيهقي في "الشعب" وله شاهد عند البغوي والديلمي من حديث أنس مرفوعًا. ورواه إسحاق بن بشر أبو حذيفة في "المبتدأ" من حديث عائشة، وإسحاق حديثه منكر، ورواه الطبراني في "مسند الشاميين" من حديث أبي هريرة، وفي إسناده بشر بن عبيد الدارمي، وهو متروك.
(١) نسبه السيوطي في "الدر المنثور" ٧/ ٣٥٧ إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>