للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أن يعلمَ العبدُ أن الله معه حيث كان" (١) وقد سبق.

ورُويَ عن بُنان الحمَّال أنَّه دخل البريِّةَ وحدَه على طريق تبوك، فاستوحش، فهتف به هاتف: لِمَ تستوحش؟ أليس حبيبُك معك؟ (٢)

وقيل لبعضهم: ألا تستوحشُ وحدَك؟ فقال: كيف أستوحش، وهو يقول: "أنا جليسُ مَنْ ذكرني وقيل لآخر: نراكَ وحدكَ؟ فقال: من يكنِ الله معه، كيف يكونُ وحده؟ وقيل لآخر: أما مَعَكَ مؤنسٌ؟ قال: بلى، قيل له: أين هو؟ قال: أمامي، ومعي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، وفوقي. وكان الشبلي ينشد:

إذا نَحْنُ أدلَجْنَا وأنت أمامَنا … كَفَى لِمَطايَانَا بذِكراك هاديا (٣)

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تعرَّف إلى الله في الرَّخاء، يعرفكَ في الشِّدَّةِ" يعني أن العبدَ إذا


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه أبو نعيم في "الحلية" ١٠/ ٣٢٤.
(٣) قائل هذا البيت عمرو بن شأس الأسدي كما في "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٩٧، والأغاني ١١/ ٢٠١، وكانت له صحبة، وشهد الحديبية، وكان ذا بأس شديد ونجدة، وكان ذا قدر وشرف ومنزلة في قومه، وكان من خبره أنه جاوره رجل من بني عامر بن صعصعة ومع العامري بنت له جميلة، فخطبها، فقال له العامري: أما ما دمت في جوارك فلا تُنْزِلُ مني على الاقتسار والقهر، ولكن إذا رجعتُ إلى قومي فاخطبها، فغضب عمرو، وآلى يمينًا أن لا يتزوجها أبدًا إلا أن يُصيبها سباءً، فلما رجع الرجل إلى قومه، أراد عمرو غزوهم، ثم قال: قد كان بيني وبين الرجل عهد وميثاق وجوار فاستحيى، وتذمم أن يفعل وقال:
إذا نحن أدلجنا وأنتِ أمامنا … كفى لمطايانا بريَّاكِ هاديا
ولولا اتقاءُ اللهِ والعَهدُ قد رأى … مُبيِّنَةً منا تُثيرُ النواديا
لنا حاضرٌ لم يَحضُرِ الناسُ مثلَه … وبادٍ إذا عدُّوا فأكرمُ باديا

<<  <  ج: ص:  >  >>