اتّقى الله، وحَفِظَ حدودَه، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربّه في الشدّة، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه، ومحبته له، وإجابته لدعائه.
فمعرفة العبد لربه نوعان:
أحدُهما المعرفةُ العامة، وهي معرفةُ الإِقرار به والتَّصديق والإِيمان، وهذه عامةٌ للمؤمنين.
والثاني: معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه، والأنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون، كما قال بعضهم: مساكينُ أهلُ الدُّنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قيل له: وما هو؟ قال: معرفةُ الله عزَّ وجلَّ.
وقال أحمدُ بنُ عاصم الأنطاكيُّ: أحبُّ أن لا أموتَ حتَّى أعرف مولاي، وليس معرفتُه الإِقرارَ به، ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييتُ منه.
ومعرفة الله أيضًا لعبده نوعان:
معرفة عامة، وهي علمه سبحانه بعباده، واطِّلاعه على ما أسرُّوه وما أعلنوه، كما قال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}[ق: ١٦]، وقال:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}[النجم: ٣٢].
والثاني: معرفة خاصة، وهي تقتضي محبته لعبده، وتقريبَه إليه، وإجابةَ دعائه، وإنجاءَه من الشدائد، وهي المشار إليها بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكى عن ربِّه: "ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِل حتَّى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه، كنتُ سمعه الذي