للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والتضرّع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعةِ الخلق جميعًا، وأن يتَّقي سخطه، ولو كان فيه سخطُ الخلقِ جميعًا، وإفراده بالاستعانة به، والسؤال له، وإخلاص الدعاء له في حال الشدّة وحال الرَّخاء، بخلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عندَ الشدائد، ونسيانه في الرَّخاء، ودعاء من يرجون نفعَه مِنْ دُونِه، قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: ٣٨].

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلم أن في الصَّبر على ما تكره خيرًا كثيرًا" يعني: أن ما أصاب العبدَ مِنَ المصائب المؤلمةِ المكتوبة عليه إذا صبر عليها، كان له في الصبر خيرٌ كثير.

وفي رواية عمر مولى غُفرة وغيره عن ابن عباس زيادة أخرى قبل هذا الكلام، وهى: "فإنِ استطعتَ أن تعمل لله بالرِّضا في اليقين، فافعل، وإن لم تستطع، فإنَّ في الصَّبر على ما تكره خيرًا كثيرًا".

وفي رواية أخرى من رواية عليّ بن عبد الله بن عباس عن أبيه، لكن إسنادها ضعيف، زيادة أخرى بعد هذا، وهي: قلتُ: يا رسول الله، كيف أصنع باليقين؟ قال: "أن تعلم أن ما أصابَك لم يكن ليخطئك، وأنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإذا أنتَ أحكمتَ باب اليقين" (١). ومعنى هذا أن حصولَ اليقين للقلب بالقضاء السابق والتقدير الماضي يُعين العبد على أن ترضى نفسُه بما أصابه، فمن استطاع أن يعمل في اليقين بالقضاء والقدر على الرضا بالمقدور، فليفعل، فإن لم يستطع الرِّضا، فإن في الصَّبر على المكروه خيرًا كثيرًا.


(١) ورواه ابن جرير ٢٨/ ١٢٣ من طريق معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>