للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بالباب، فقال أبو: عوفٌ وربِّ الكعبة، فقالت أمه: واسوأتاه، وعوف كئيب يألم ما هو فيه مِنَ القِدِّ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إبلًا، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإِبل، فأتى أبوهُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بخبرِ عوفٍ وخبرِ الإِبل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اصنع بها ما أحببتَ، وما كنت صانعًا بإبلك"، ونزل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٢، ٣] الآية (١).

قال الفضيل: والله لو يئستَ مِنَ الخلق حتَّى لا تريد منهم شيئًا، لأعطاك مولاك كُلَّ ما تُريد. وذكر إبراهيمُ بنُ أدهم عن بعضهم قال: ما سأل السائلون مسألةً هي ألحفُ مِنْ أن يقولَ العبدُ: ما شاء الله، قال: يعني بذلك التَّفويض إلى الله عزَّ وجلَّ. وقال سعيدُ بن سالم القداح: بلغني أن موسى عليه السلامُ كانت له إلى الله حاجة، فطلبها، فأبطأت عليه، فقال: ما شاء الله، فإذا حاجتُه بَيْنَ يديه، فعجب، فأوحى الله إليه: أما علمتَ أن قولَك: ما شاء الله أنجحُ ما طُلِبَتْ به الحوائج.

وأيضًا فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيس منه بعدَ كثرة دعائه وتضرُّعه، ولم يظهر عليه أثرُ الإِجابة يرجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنَّما أُتيتُ من قِبَلِكَ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجِبْتُ، وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطَّاعات، فإنَّه يُوجبُ انكسار العبدَ لمولاه واعترافه له بأنه أهلٌ لما نزل به من البلاء، وأنه ليس بأهلٍ لإِجابة الدعاء، فلذلك تُسرِعُ إليه حينئذ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكرب، فإنَّه تعالى عندَ المنكسرةِ قلوبهم من أجله.


(١) ضعيف لانقطاعه، رواه ابن الأثير في "أسد الغابة" ٥/ ٤١ من طريق آدم بن أبي إياس، ورواه ابن أبي هاشم كما في "تفسير ابن كثير" ٨/ ١٨٣ - ١٨٤ من طريق ابن إسحاق، وانظر ص ٤٣٢ ت (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>