للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: اللهمَّ أنت ربنا فارزقنا الاستقامة (١).

ولعل من قال: إن المرادَ الاستقامة على التوحيد إنَّما أرادَ التوحيدَ الكاملَ الذي يُحرِّمُ صاحبَه على النار، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله، فإنَّ الإله هو الذي يُطاعُ، فلا يعصى خشيةً وإجلالًا ومهابةً ومحبةً ورجاءً وتوكُّلًا ودعاءً، والمعاصي كلُّها قادحة في هذا التوحيد، لأنها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان، قال الله عزَّ وجلَّ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: ٢٣] قال الحسن وغيره: هو الذي لا يهوى شيئًا إلَّا ركبه (٢)، فهذا يُنافي الاستقامة على التوحيد.

وأما على رواية من روى: "قُلْ: آمنْتُ باللهِ"، فالمعنى أظهر، لأن الإِيمانَ يدخل فيه الأعمالُ الصالحة عند السلف ومن تابعهم من أهلِ الحديث، وقال الله عزَّ وجلَّ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: ١١٢]، فأمره أن يستقيمَ هو ومن تاب معه، وأن لا يُجاوزوا ما أُمِروا به، وهو الطغيانُ، وأخبر أنَّه بصيرٌ بأعمالهم، مطَّلعٌ عليها، وقال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الشورى: ١٥]. قال قتادة: أُمِرَ محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستقيمَ على أمر الله (٣). وقال الثوري: على القرآن (٤)، وعن الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية شَمَّرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رؤي ضاحكًا. خرَّجه ابن أبي حاتم (٥). وذكر القُشَيْريُّ وغيره عن بعضهم: أنَّه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال له: يا رسولَ الله قلتَ: "شَيَّبَتني هُودٌ وأخواتُها"، فما شيَّبك


(١) رواه الطبري ٢٤/ ١١٥.
(٢) ورواه الطبري ٢٥/ ١٥٠ عن قتادة.
(٣) رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٤/ ٤٧٩.
(٤) رواه أبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٤/ ٤٨٠.
(٥) وزاد نسبته السيوطي في "الدر المنثور" إلى أبي الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>