الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: ٤٨] وإن كان قد ذكر أن في التوراة نورًا كما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}[المائدة: ٤٤]، ولكن الغالب على شريعتهم الضياءُ لما فيها مِنَ الآصار والأغلال والأثقال.
ووصف شريعةَ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّها نورٌ لما فيها من الحَنيفيَّةِ السمحة، قال تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة: ١٥] وقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧].
ولما كان الصبر شاقًّا على النفوس، يحتاجُ إلى مجاهدةِ النفس وحبسِها، وكفِّها عمَّا تهواهُ، كان ضياءً، فإنَّ معنى الصَّبر في اللغة: الحبسُ، ومنه قَتْلُ الصبر: وهو أن يُحبَسَ الرَّجلُ حتى يقتل.
والصبر المحمود أنواع: منه صبرٌ على طاعةِ الله عزَّ وجلَّ، ومنه صبرٌ عن معاصي الله عزّ وجلّ، ومنه صبرٌ على أقدار الله عزّ وجلّ، والصبرُ على الطاعات وعنِ المحرَّماتِ أفضلُ من الصَّبرِ على الأقدار المؤلمة، صرّح بذلك السلف، منهم سعيدُ بنُ جبير، وميمون بن مهران وغيرهما. وقد روي بإسناد ضعيفٍ من حديث عليٍّ مرفوعًا "إنَّ الصَّبرَ على المصيبة يُكتب به للعبد ثلاث مئة درجة، وإنَّ الصَّبر على الطاعة يكتب له به ست مئة درجة، وإن الصبر عن المعاصي يُكتب له به تسع مئة درجة"، وقد خرَّجه ابنُ أبي الدنيا وابن جرير الطبري (١).
(١) أورده السيوطي في "الجامع الكبير" ١/ ٤٢٣ - ٤٢٤، ونسبه إلى أبي الشيخ في "الثواب" والديلمي في "مسند الفردوس" (٣٨٤٦)، ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" ٣/ ١٨٤ فقال: هذا حديث موضوع، والمتهم به عبد الله بن زياد وهو ابن سمعان، قال =