وقوله:"يا عبادي، إنَّكم لن تبلُغوا ضَرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" يعني: أنَّ العباد لا يَقدِرُونَ أنْ يُوصِلُوا إلى الله نفعًا ولا ضَرًّا، فإنَّ الله تعالى في نفسه غنيٌّ حميدٌ، لا حاجةَ له بطاعات العباد، ولا يعودُ نفعُها إليه، وإنَّما هُم ينتفعون بها، ولا يتضرَّرُ بمعاصيهم، وإنَّما هم يتضررون بها، قال الله تعالى:{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا}[آل عمران: ١٧٦]. وقال:{وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا}[آل عمران: ١٤٤].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته:"ومَنْ يعصِ الله ورسولَه، فقد غوى، ولا يضرُّ إلا نفسه ولا يضرُّ الله شيئًا"(١).
والمعنى: أنَّه تعالى يُحبُّ من عباده أن يتَّقوهُ ويُطيعوه، كما أنه يكره منهم أن يَعْصُوه، ولهذا يفرح بتوبة التائبين أشدَّ من فرح من ضَلَّتْ راحلته التي عليها طعامُه وشرابُه بفلاةٍ مِنَ الأرض، وطلبها حتى أعيى وأَيِسَ منها، واستسلم للموت، وأيس من الحياة، ثم غلبته عينُه فنام، فاستيقظ وهي قائمةٌ عنده وهذا أعلى ما يتصوره المخلوقُ من الفرح، هذا كلُّه مع غناه عن طاعات عباده
(١) رواه أبو داود (١٠٩٧) و (٢١١٩)، والطبراني في "الكبير" (١٠٤٩٩)، وفي إسناده أبو عياض المدني، وهو مجهول.