أن تقديرَه: الأعمالُ صحيحةٌ، أو معتَبَرةٌ، أو مقبولة بالنِّيَّاتِ، وعلى هذا، فالأعمالُ إنَّما أُرِيدَ بها الأعمالُ الشَّرعيَّةُ المفتَقِرةُ إلى النِّيَّة، فأمَّا ما لا يفتقِرُ إلى النيَّة كالعادات مِنَ الأكل والشُّرب، واللُّبسِ وغيرِها، أو مثلِ ردِّ الأماناتِ والمضمونات، كالودائعِ والغُصوب، فلا يَحتَاجُ شيءٌ من ذلك إلى نيَّةٍ، فيُخَصُّ هذا كلُّه من عمومِ الأعمال المذكورة ها هُنا.
وقال آخرون: بل الأعمال هنا على عُمومها، لا يُخَصُّ منها شيءٌ. وحكاه بعضُهم عن الجمهور، وكأنَّه يريدُ به جمهورَ المتقدِّمين، وقد وقع ذلك في كلام ابن جريرٍ الطَّبريِّ، وأبي طالبٍ المكِّيِّ وغيرِهما من المتقدِّمين، وهو ظاهرُ كلامِ الإمام أحمدَ.
قال في رواية حنبلٍ: أُحِبُّ لكلِّ مَنْ عَمِلَ عملًا مِنْ صلاةٍ، أو صيامٍ، أو صَدَقَةٍ، أو نوعٍ مِنْ أنواعِ البِرِّ أنْ تكونَ النِّيَّةُ متقدِّمَةً في ذلك قبلَ الفعلِ، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الأعمالُ بالنِّيَّاتِ"، فهذا يأتي على كل أمرٍ مِنَ الأُمورِ.
وقال الفضلُ بنُ زيادٍ: سألتُ أبا عبد الله - يعني أحمدَ - عَنِ النِّيَّةِ في العملِ، قلت: كيف النيةُ؟ قال: يُعابرُ نفسَه، إذا أراد عملًا لا يريدُ به النَّاس.
وقال أحمدُ بنُ داودَ الحربي: حدَّث يزيدُ بنُ هارونَ بحديثِ عمر: "الأعمالُ بالنياتِ" وأحمدُ جالسٌ، فقال أحمد ليزيدَ: يا أبا خالدٍ، هذا الخناقُ.
وعلى هذا القول، فقيل: تقديرُ الكلام: الأعمال واقعة أو حاصلة بالنِّيَّاتِ، فيكونُ إخبارًا عن الأعمالِ الاختيارية أنها لا تقعُ إلَّا عَنْ قصدٍ مِنَ العاملِ هو سببُ عملها ووجودِها، ويكونُ قولُه بعدَ ذلك:"وإنَّما لامرى ما نوى" إخبارًا عن حكمِ الشَّرع، وهو أن حظَّ العاملِ مِنْ عمله نيَّتُه، فإنْ كانت صالحةً، فعملُهُ صالحٌ، فله أجرُه، وإن كانت فاسدةً، فعمله فاسدٌ، فعليه وِزْرُهُ.
ويحتمل أن يكون التَّقدير في قوله:"الأعمال بالنيات": الأعمالُ صالحةٌ،